ارحموا الشباب
أمل الحارثي -
قبل أيّام كنت في زيارة قصيرة لبلدي الأردنّ، كانت على وشك أن تكون جيّدة حتّى آخر لحظة، عندما قرّرتُ الذهاب للمطار باستخدام سيّارة أوبر، كان السائق شابًّا عشرينيًّا لطيفًا ومحترمًا، لفَتَ انتباهي أدبُه وخلقه الرفيع، شابٌّ قامَ مِن نومِه فجرًا وتوكّل على الله وخرجَ ساعيًا في مناكبها، باحثًا عن اللقمة الحلال، التي أصبح البحث عنها كالبحث عن إبرة في كومة قشّ، شابٌّ درس في الابتدائيّ أنّ العمل عبادة، وأنّ مَن جَدَّ وجدَ ومنْ عمل حصدَ، وأنّ الله لا يُضيِّع أجرَ مَن يَعمل ويُنجز، ولكنّه للأسف لم يُدرك أنّ الحكومة ستُضيِّع ذلك الأجر.
قبل أنْ نصل المطار بدقيقة تمّ إيقاف السيّارة من قبل دوريّة شُرطة، وتبيَّن أنّ السائق سُحبت رخصته سابقًا لقيادة سيّارة الأوبر، فحرَّر الشرطيُّ له مخالفة بمبلغ مئة دينار، كما طلب منه التوجُّه فورًا لأقرب مركز شرطة ليتمّ حجزه بعد إنزالي من السّيّارة مباشرة.
تمنَّيْتُ لو غضبَ أو صرخَ أو تمتَمَ ببضع كلمات نفّس بها قهره، لكنّه لم ينبس ببنت شفة، بل إنّه كان صامتًا تمامًا، صمتَ اليائس فاقد الأمل، أمّا أنا فمشيت في المطار كالتائهة بلا وجهة، أجرُّ حقائب الغضب والقهر، وأبكي على حال الشابّ وحال مئات الآلاف من الشباب الأردنيّ الذي تقطّعت به سبل العيش الكريم، وأُغلقت أمامه أبواب الأمل بالمستقبل.
لماذا يُخالَف الشابُّ وتُسحب رخصه يا حكومتنا الموقرة ؟ لماذا ؟ لم يقِفِ الشابُّ على أبواب المؤسّسات الحكوميّة طامعًا في وظيفة؛ لأنّه يعلم أنّها لم تعُد موجودة، ولم يتسوّل، ولم يسرق، لماذا يُحارب في رزقه؟ وما المطلوب منه ومن الشباب الأردنيّ؟ افترضُوا معي أنّه ابنكم، هل ستقبلون له هذا القهر؟ أمْ أنّ التشبيه ليس في محلّه؟ أوليس الإنسان أغلى ما نملك؟! فلماذا تقتلون الإنسان في شبابنا بقتل الأمل فيهم؟!
هل من الممكن أنْ تسردوا للشباب الأردنيّ قائمة بالأعمال المُتاحة المُتوفّرة؟ سامحونا على جهلنا فربّما فاتنا بعضٌ منها. الشباب فقَدَ الأمل، الشابُّ الأردنيّ لم يعُد يحلم بالسيّارات الفارهة ، ولا بالوظيفة المُحترمة، ولا حتّى بالزواج والمستقبل، الشابّ اليوم لم يعُدْ يُفكّر أبعد من يومه، يُريد قوت يومه لا أكثر، اليوم جُلُّ ما يُريده هو أبسط مُتطلّبات العيش التي لا تصل إلى درجة الحياة الكريمة معَ هذا الارتفاع الجنونيّ في الأسعار.
الاقتصاد الذي يُبنى على تجويع المواطن لا يُمكن أن يكون اقتصادًا، والميزانيّة لن تتحسّن بمحاربة البسطاء في أرزاقهم، بل بتشجيع الشباب على العمل، وتشجيع رؤوس المال على الاستثمار؛ بتوفير بيئة صحّيّة خالية من الفساد، وفتح أبواب رزق جديدة بالتخطيط السليم واستغلال العقول.
ارحموا الشباب، فاليأس الذي رأيته في عيونهم مُخيف ومُرعب، افتحوا أبواب الرزق الحلال المُقفلة في وجوههم، لا تدفعوهم لطرق أبواب أُخرى يفقدون فيها أنفسهم، لا تُحاربوهم في لقمة العيش، بل شجِّعوا وادعموا، الشباب هو صانع الاقتصاد، سنوات عمر الشاب هي أكثر السنوات التي يُنجز فيها، لا تجعلوها سائبة ضائعة بلا هدف ولا رؤية، ارحموا رحمكم الله.
كاتبة أردنية مغتربة