-->

"محاولات للخروج من جهنم _ الدولة التي نريد."


لقد كتبت في بداية الربيع العربي والذي شارك فيه الحراك الشعبي بنشاط ملفت للنظر ما نصّه : " إنني لأصاب بالذهول وأنا أتابع وأشاهد ما يجري , إنّني أشاهد سوقا للأفكار والمشاريع الإصلاحية أشبه ما يكون بسوق الخضار , عجيج وضجيج , وهدير وزئير من جميع الجهات , والدعوة إلى عشرات الإتجاهات , وفي هذا الضوضاء تغيب الطروحات الصحيحة , وتضيع التحذيرات الصادقة , وتجهض المشاريع الحقيقية , لقد اختلط الحابل بالنابل , ولم نعدّ نميّز بين بائع القثاء وبائع الذهب , وعارض العسل النقي , والعسل المسموم ........ الخ " .
أما وقد هدأت العاصفة بعد أربعة أعوام عجاف , وذهب الزبد جفاء ,وتلاشت تلك الفقاعات ومكثت في الأرض المشاريع الجادّة التي حملها أصحابها على بصيرة , فقد آن الأوان لتسليط الأضواء عليها لتتضح الصورة للجادين من طلائع الأمّة والشعب ليختاروا ما يختارون على بصيرة وبيّنة .
ولن أستطيع في مقال واحد أن أستعرض تلك المشاريع بشكل مفصّل فهذا أمر يحتاج إلى أطروحة قد لا يفي بها مجلّد , فرأيت أن يكون المدخل لفهم هذه المشاريع هو الإجابة على السؤال أعلاه " ما هي الدولة التي نريد ؟؟ " وسأقتصر في ماهية هذه الدولة المأمولة على نوع الدولة من حيث الاستقلالية والتبعية لآتفاق الجميع على حقيقة أنّ جميع الدول العربية هي كيانات وظيفية جاءت نتيجة لانتصار المشروع الاستعماري الغربي القائم على تجزئة العالم العربي والإسلامي بعد الحرب العالمية الأولى ثمّ انتصاره في الحرب العالمية الثانية , ثمّ ترسيخ وتجذير هذه التبعية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي , وتفرّد الأمريكان بقيادة العالم بإعلانهم ولادة النظام الدولي الجديد في تسعينيات القرن العشرين , ثم وضع هذا الإعلان موضع التطبيق في بداية الألفية الثالثة , ثم الدخول بخطّة إعادة تشكيل خارطة العالم العربي والإسلامي في بداية العقد الثاني من هذه الألفية , وهي الخطّة التي يجري تنفيذها على قدم وساق منذ أربعة أعوام ,والتي أصبحت حلبة للمتصارعين من القوى الكبرى والقوى الإقليمية لعرقلة مشروع التفرّد الأمريكي بهذه المنطقة , وليس من المبالغة القول : إنّها حرب عالمية ثالثة تخوضها جميع الدول الكبرى والقوى الإقليمية في صراع على النفوذ , وأدواتها هم أبناء هذه الأمّة المنكوبة .
وبالعودة للسؤال المطروح فإنني لا أريد أن أدخل في متاهة تعريف الدولة وماهيتها , ولكنني سأقتصر في مقالي هذا _ كما قلت آنفا _ على أنواع الدول من حيث الاستقلال والتبعية ؛ لنستخلص من خلال المشاريع الجادّة المطروحة على الساحة الأردنية بشكل خاصّ والعربية بشكل عام نوع الدولة التي تسعى إليها هذه المشاريع لتميّز طلائع الشعب هذه المشاريع فيختار من شاء الاختيار من هذه المشاريع عن بصيرة ووعي أولا , وليرتقي حملة كلّ مشروع إلى مستوى أهدافه ثانيا , وللخروج من حالة التيه والتخبّط ثالثا .
والدول من هذه الحيثية هي أنواع ثلاث :
دولة مستقلّة كاملة السيادة حرّة الإرادة في سياستها الداخلية والخارجية , ولا تخضع إلاّ لاعتبارات المصالح المتبادلة مع الدول القويّة , ومن أمثلتها الولايات المتحدة , وروسيا , وبريطانيا , وفرنسا ........ الخ .
ودولة تدور في فلك دولة كبرى أو منظومة دولية قويّة , وهذا النوع من الدول التي تدور في فلك الدول الكبرى ترتبط معها ارتباط مصالح مشتركة , وتملك قرارها نسبيّا في سياستها الداخلية , ولكنّها مقيدة بسياستها الخارجية بإرادة الدولة أو المنظومة الدولية التي تدور في فلكها , وهي تخضع لافاقيات ومعاهدات تمنعها من امتلاك القوّة اللازمة التي تؤهلها للاستقلال الكامل , ومن أمثلة هذا النوع من الدول اليابان , وكندا , وأستراليا , وتركيا , وإسرائيل .
والنوع الثالث هي الدولة التابعة ذات الدور الوظيفي , وهي في واقعها عبارة عن مستعمَرة تخضع في سياستها الداخلية والخارجية لنفوذ الدولة الكبرى التي تتبعها , ودور نظامها هو تحقيق مصالح الدولة التي تتبعها ولو على حساب شعبها , بل لو اقتضى ذلك تدمير هذا الشعب وجميع الدول العربية هي من هذا الصنف .
والملفت للنظر أنّ بعض هذه الدول من النوع الثالث كان يترك لها هامشا من الحرية في السياسة الداخلية قبل انهيار الاتحاد السوفيتي , ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفيتي , وإعلان الولايات المتحدة عن ولادة النظام الدولي الجديد فقد تمّت مصادرة هذا الهامش الضيئل وأصبح التدخل في كلّ صغيرة وكبيرة في الشؤون الداخلية لهذه الدول واضحا للعيان , فظهرت تلك الدول تابعة للسفارات الأجنبية بدون وجل ولا خجل , ولعلّ احتلال العراق , واسقاط نظام البعث فيه قد جعل هذا الأمر سائغا , ومقبولا .
وأمام هذه الحالة من التبعية المزرية التي أفسدت البلاد والعباد فإننا نجد المشاريع التي تسعى للخروج من هذه الحالة الشاذّة تتمثّل في ثلاثة عناوين :

  • مشروع التحرر الشامل والذي يسعى لبناء دولة مستقلّة .
  • مشروع التحرر الجزئي الذي يسعى لبناء دولة تدور في الفلك على غرار التجربة التركية .
  • مشروع "تحسين شروط العبودية " والذي يقبل ضمنا بالدور الوظيفي للدولة القطرية ولكنّه يأمل ببناء دولة تحقق الحياة الكريمة لمواطنيها , وتقضي على مظاهر الفساد الذي أصبح طريقة عيش ومنهج حياة في هذه الوظيفيات المتعفنة .

والآن نود إلقاء الضوء على هذه المشاريع الثلاثة بإيجاز آمل ألا يكون مخلاّ :
أولا : مشروع التحرر الشامل والذي يسعى لبناء دولة مستقلّة بمواصفات الدولة المستقلّة أعلاه , ويمثّل هذا المشروع فئتان :
الفئة الأولى : { دعاة الخلافة } :
دعاة الدولة الإسلامية ( الخلافة ) وأبرز من يمثّل هذه الفئة حزب التحرير الذي أسسه المرحوم تقي الدين النبهاني في خمسينيات القرن العشرين , وهذه الدولة بحسب هذا الحزب يراد لها أن تؤسس على المُجمَع عليه من العقيدة الإسلامية بين فرق المسلمين والمذاهب الإسلامية , وتقوم منظومتها التشريعية على الأحكام الشرعية المستمدّة من الأصول أو المصادر التي تحظى بشبه إجماع بين المسلمين , وهي القرآن , والسنّة , وإجماع الصحابة , والقياس , وقد تبنى الحزب مشروعا للدولة الإسلامية بما في ذلك الدستور المستنبط من تلك المصادر , وهذا الحزب يسعى منذ تأسيسه لإقامة دولة في قطر أو أكثر من أقطار العالم الإسلامي التي يوجد فيها مقومات الدولة؛ لتكون هذه الدولة نقطة ارتكاز لضمّ سائر الأقطار إليها , جاعلا الأفضلية في اختياره لنقطة الارتكاز تلك الأقطار العربية لاعتبارات ليس هذا مجال بحثها .
ويشترك مع حزب التحرير في رؤيته تلك "حزب التجديد الإسلامي " ومنظّره د. محمد بن عبد الله المسعري , مع اختلافات غير جوهرية في تفاصيل المشروع الفكري للحزب , والنهج السياسي له .
أمّا السلفية الجهادية بمختلف فصائلها وأسمائها وهي وإن تطوّر طرحها في العقود الماضية إلى فكرة إقامة الدولة الإسلامية إلاّ أنّها ظلّت أسيرة للمذهب الوهابي , وظلّ تصوّرها للدولة مشوّها لم يرتق لمستوى الدولة المعاصرة أو بالأصح لم يرتق لفهم جوهر الدولة وماهيتها ودورها كوظيفة يقتضيها نظام الاجتماع الإنساني .
أمّا ما يطرحه منظّر حزب الأمّة د. حاكم بن عبيسان المطيري فهو وإن حاول أن يدرج نفسه تحت هذا العنوان إلاّ أنّه في الواقع يندرج تحت العنوان الثاني من حيث لا يشعر , وسيأتي بيانه عند الحديث عن العنوان الثاني .
ومما يؤخذ على حزب التحرير وحزب التجديد الإسلامي أنّه دخل في البطن السلفي والمدرسة الأثرية من حيث لا يشعر , وغلبت على مشروعه الصفة التعبدية البحتة إذ ينظر للأحكام الشرعية المتعلقة بالشؤون الحياتية للمجتمع والدولة والعلاقات الدولية كما ينظر للعبادات الروحية البحتة التي لا مجال للعقل فيها , وشنّ هجوما عنيفا على فكرة المصالح المرسلة التي اعتمدها كبار الفقهاء السابقين , كما شنّ هجوما على فكرة مقاصد الشريعة , ورفض الوقوف عند روح النصوص , واستعاض عن ذلك بما روي من أحاديث عن النبي (صلى الله عليه وسلم ) مع التساهل في تصحيحها , معتمدا منهج أهل الحديث في الفقه , مبتعدا عن منهج كبار الفقهاء , معتبرا أنّ دور العقل في التشريع يقتصر على فهم النصّ بحسب مدلوله اللغوي وبحسب القواعد التي وضعها علماء أصول الفقه .
وهذا التطرّف في محاربة دور العقل في التشريع ما أراه إلاّ نوعا من ردّ فعل من المرحوم تقي الدين النبهاني على منهج علماء عصره الذين انبهروا بالحضارة الغربية الوافدة في مختلف شؤون الحياة فحاولوا التوفيق بينها وبين الإسلام بطريقة مسخت شخصية الإسلام إذ جعلته تابعا لتلك الحضارة , ساعيا للتوافق معها في كلّ شيء .
وهذا التيار المهزوم شكّل ردّة فعل لدى النبهاني وغيره حتى أن القطبين سيّد ومحمد ندما على ما كتباه من كتابات أخذت طابع الدفاع عن الإسلام لأنّ مجرد الدفاع هو إقرار بالتهمة بحسب ما نقل عنهما , ومهما يكن من أمر فقد ظهر ذلك جليّا في كتاب نداء حارّ للنبهاني وسائر كتبه , وردّ الفعل في غالب الأحيان يؤدي إلى التطرّف والشطط .
ومن الأمور المضحكة المبكية أنّه على الرغم من إيغال حزب التحرير في هذا النهج الذي يستبعد العقل أمام سلطان النصّ فإنّ التيار السلفي يصنّف حزب التحرير بأنّه يتبنى منهج المعتزلة بما تعنيه كلمة المعتزلة من انحراف في نظر المدرسة السلفية !!
وربما يفخر حزب التحرير بهذا النهج , ويظنّه هو الذي يمثّل الإسلام الصحيح , فما الإسلام إلاّ دين إلهي قائم على اتّباع الوحي في الأوامر والنواهي والأخبار , وبالتالي فمتبع الوحي لا يزلّ ولا يضلّ , ومع تسليمنا بذلك فإنّ كثيرا مما يظنّه حزب التحرير من الوحي ليس من الوحي من ناحية , ومن ناحية ثانية فإنّ ما حاول حزب التحرير استبعاده من عقلنة الأحكام الشرعية العملية غير صحيح , ومحجوج بالوحي نفسه ,وسنّة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وسنة الخلفاء الراشدين , ومناهج كبار الفقهاء والعلماء الربانيين .. ولو قدّر لحزب التحرير أن يصل للحكم لاصطدم بعقبات تجعله بين خيارين لا ثالث لهما :
خيار دولة مستبدّة يحكمها فرد بصلاحيات مطلقة , وتقع الدنيا والدين تحت رحمته أو خيار إعادة النظر في كثير من الأحكام والنصوص الدستورية التي يتبناها .
ونظرا لأنّ د. محمد بن عبد الله المسعري , والدكتور حاكم المطيري ينطلقان من نفس الأصول ( مصادر الأحكام ) التي ينطلق منها حزب التحرير فإنّ ما يقومان به من محاولات تصحيح هو مجرد شكليات أقرب ما تكون ل(مكيجة ) واقع بائس .
هذا من حيث المشروع الفكري أمّا من حيث النهج السياسي فإنّ حزب التحرير قد انطلق بقوّة في بداية تأسيسه , وأستطاع أن يستقطب الكثير من النابهين الذين بنى شخصياتهم بطريقة فذّة تؤهلهم لأنّ يكونوا رجال دولة من طراز فريد ,وأستمرّ على هذه الحال حتى أواخر سبعينيات القرن العشرين , ولكنّ استمرار تلك الحرب التي أعلنت عليه منذ بداية تأسيسه وحتى هذه اللحظة قد جعلته يتراجع عن ذلك المستوى بكثير .
وختاما لن أقف عند مشروع الدولة الإسلامية التي يسعى إليها التيار الجهادي السلفي ؛ لأنّها في الواقع هي استنساخ لدولة عبد العزيز بن سعود , وقد ظهر ذلك جليّا في تجربة (طالبان ) وهاهي خلافة البغدادي خير شاهد , ولو قدّر لغيره من هذه التيارات أن يقيم دولة لما اختلفت عن دولته إلاّ بشكليات لن تمسّ الجوهر .
أمّا موقف حزب التحرير من المنظومة الدولية القائمة فيما لو أقام الخلافة فإنّه لا يعترف بهذه المنظومة , فالدول الكبرى المستعمرة سيتعامل معها باعتبارها محاربة فعلا أو حكما , ودول العالم العربي والإسلامي هي في نظره غير شرعية يجب هدمها لضمها لدولة الخلافة , وأمّا الهيئات الدولية كهيئة الأمم , ومجلس الأمن , وسائر الهيئات فهي صنيعة الدول المستعمرة , وأدوات بيدها لإحكام سيطرتها على الدول والشعوب الضعيفة , وبالتالي لن تعترف بها دولة الخلافة ولن تخضع لقراراتها .
الفئة الثانية { مشروع الدولة العربية } :
لا زلنا نتحدث عن أصحاب المشاريع التحررية التي تسعى لإقامة دولة مستقلّة بحسب مفهوم الدولة المستقلّة أعلاه , وبعد أن تحدثنا عن أصحاب مشروع الدولة الإسلامية ننتقل لأصحاب مشروع الدولة العربية , وخير من يمثّل هذه الفئة " حركة التجديد العربية " ومنظّرها د. أسامة عكنان , وسأصرف النظر عن مشروع حزب البعث العربي الاشتراكي ؛ لأنّ هذا المشروع وضع موضع التطبيق في قطرين عربيين متجاورين لمدة أربعة عقود ولم يحقق شيئا ذا بال في مجال الوحدة والتحرر .
مشروع " حركة التجديد العربية " تجد معالمه وتفاصيله فيما ينشره د. أسامة عكنان على صفحة حركة التجديد العربية وصفحته الخاصّة على الفيس بوك , وموقعها الإلكتروني الذي يحمل اسمها , وسائر المواقع التي نشرت مقالاته , ومن هذه المقالات مقال بعنوان { هذه هي إجابتي، وهذا هو برنامجي، يا سيادة العميد } وقد نشر في حوالي عشرين حلقة ولو جمع في كتاب لربما تجاوز عدد صفحاته الثلاثمائة صفحة , وكذلك تجد ذلك في كتابه " تجديد فهم الإسلام " .
وهذا المشروع يتلخّص بأنّه يسعى لإقامة دولة قومية عربية بمرجعية إسلامية بفهم خاصّ للإسلام , وهذا الفهم ينسحب على العقائد والأحكام , ولا ينظر للأحكام باعتبارها ثابتة غير قابلة للتعديل والتبديل , فهو يستلهم روح النصوص ولا يتقيّد بحرفيتها , ويستند إلى المبادئ العامّة التي وردت في القرآن باعتبارها معالم في خارطة الطريق للمسيرة الإنسانية .
إنّه وبحسب ما فهمت يحاول أن يقدّم نظرية رابعة لا هي بالرأسمالية الليبرالية , ولا بالاشتراكية , ولا الإسلامية التقليدية , ويرى أنّ الأردن هو نقطة الارتكاز لهذا المشروع , والذي يدعو لأن تعود إليه هويته النضالية التحررية الجامعة لأبناء الضفتين لتقوم فيه نواة الدولة العربية المأمولة التي ستناجز المشروع الصهيوني للقضاء عليه مع سعيها لتوحيد العرب بادئة بالجوار , والدولة المأمولة تقتصر على الشعب العربي , وهذه الدولة يراد لها أن تكون قائدة لجوارها الإسلامي بدون اتحاد خلافا لما يسعى إليه دعاة الخلافة .......
ويؤخذ على هذا المشروع المآخذ التالية :
1.
أنّه مشروع مفرط بالعقلانية حدّ التطرّف وهو بذلك على النقيض من مشروع دولة الخلافة الآنف الذكر الخاضع للنقل حدّ التطرّف , وهذا الافراط فيه عيبان ظاهران الأول فكري والثاني سياسي , أمّا الفكري فإنّ للعقل حدودا بأصل خلقته والظنّ بأنّ العقل يستطيع الإحاطة بجميع مداخل النفس الإنسانية هو نوع من الوهم الذي يثبت الواقع والعلم عكسه , وأمّا السياسي فإنّه لا يتناسب مع التيار العامّ للشعب العربي الذي هو إسلامي في فكره , ومشاعره , ومفاهيم أعماقه , ووجدانه , وما لم يكن المشروع متناغما مع النفس العربية فإنّ مصيره الفشل , ولعلّ في تجربة فلاسفة الإسلام وإخوان الصفا , ودعاة العلمانية بشقيها الغربي والشرقي في القرن العشرين برهان على ذلك , ويقابل هذا انجراف الشعب العربي مع الشعارات الإسلامية مع ما فيها من هنات وهفوات وما عليها من مآخذ , ولعلّ الطبيعة الإنسانية بشكل عام بفطرتها ميّالة للدين والتديّن , وأكثر ما يسحرها ويبهرها المشاريع ذات الصبغة الدينية الظاهرة لا العقلانية المفرطة في العقل .
2.
جاء هذا المشروع متأخرا من حيث المعطيات الواقعية , فما عاد أهل الأردن بضفتيه هم أهله في الستينيات , وما عادت الشام هي الشام , وما عادت العراق هي العراق ,وما عاد العرب هم العرب ,ولا تزال النار تشتعل في الأقطار العربية تباعا ,ولا تزال القوى الدولية والإقليمية هي صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة فيما يجري, وكل المعطيات الموضوعية داخليا وإقليميا ودوليا ضدّ هذا المشروع الذي يريد الانطلاق من قطر لا يملك مقومات الدولة أو لم يعد يملكها أو يملك شيئا منها .
ومع هذه المآخذ فهو مشروع متكامل معلن عن نفسه في الأردن على الأقلّ , وربما وجدنا له تيار يناصره في السنوات القادمة .
ثانيا : مشروع التحرر الجزئي الذي يسعى لبناء دولة تدور في الفلك على غرار التجربة التركية .
والذي يحمل هذا المشروع هم جماعة الإخوان المسلمين بمختلف الأقطار العربية بما في ذلك الإخوان في الأردن , والأصل في مشروعهم أنّه مشروع قطري يراد منه الوصول إلى الدولة الواحدة التي هي دولة الخلافة , وإليك ما كتبه حسن البنا في الرسائل حيث يقول : " والإخوان المسلمون لهذا يجعلون فكرة الخلافة والعمل لإعادتها في رأس مناهجهم ، و هم مع هذا يعتقدون أن ذلك يحتاج إلى كثير من التمهيدات التي لابد منها , و أن الخطوة المباشرة لإعادة الخلافة لابد أن تسبقها خطوات :
لا بد من تعاون تام ثقافي , واجتماعي واقتصادي بين الشعوب الإسلامية كلها ، يلي ذلك تكوين الأحلاف والمعاهدات ، وعقد المجامع والمؤتمرات بين هذه البلاد ،وإن المؤتمر البرلماني الإسلامي لقضية فلسطين,ودعوة وفود الممالك الإسلامية إلى لندن للمناداة بحقوق العرب في الأرض المباركة لظاهرتان طيبتان و خطوتان واسعتان في هذا السبيل , ثم يلي ذلك تكوين عصبة الأمم الإسلامية , حتى إذا تم ذلك للمسلمين نتج عنه الاجتماع على (الإمام) الذي هو واسطة العقد ، ومجتمع الشمل ، ومهوى الأفئدة ، وظل الله في الأرض " انتهى .
ويقول في موضع آخر من الرسائل : " نحن نريد:
ـ الفرد المسلم ...
ـ والبيت المسلم ...
ـ والشعب المسلم ...
ـ والحكومة المسلمة ...
ـ والدولة التي تقود الدول الإسلامية ، وتضم شتات المسلمين ، وتستعيد مجدهم ، وترد عليهم أرضهم المفقودة وأوطانهم المسلوبة وبلادهم المغصوبة ، ثم تحمل علم الجهاد ولواء الدعوة إلى الله ، حتى تسعد العالم بتعاليم الإسلام. " .انتهى .
فالخطّة هي إقامة دول إسلامية في الأقطار العربية ثم تهيئة الأجواء لتوحيدها في دولة واحدة , ومن الجدير بالذكر أنّ هذا الطرح كرره الأمير الحسن بن طلال في خريف عام 2001م في مقابلات له في بعض الفضائيات , ومثل ذلك ما يطرحه الآن د. حاكم بن عبيسان المطيري منظّر حزب الأمّة في الكويت حيث يقول : " ((فكل وحدة أو اتحاد ترتضيه شعوب الأمة ودولها كلها، أو أكثرها، أو مجموعة من الدول الرئيسة فيها ذات السيادة والاستقلال عن أي نفوذ أجنبي، تجتمع في إطار وحدوي أو اتحادي، وتكون المرجعية فيها الإسلام، وتكون حكوماتها منتخبة من شعوبها، ويختار مجلسا رئاسيا يمثل الأمة التي اختارته كمجلس خلافة للأمة، ومجلس شورى منتخب يمثل شعوبه وأهل الحل والعقد منهم، فهو خلافة شرعية)).
فالإخوان إذن يسعون لإقامة دول إسلامية في الأقطار التي يعملون فيها تمهيدا لتوحيدها في دولة واحدة , إلاّ أنّهم يختلفون عن حزب التحرير لا من حيث الطريقة فحسب ولكن من حيث فهمهم لللإسلام , فهم لا يلتزمون بأصول فقهية صارمة تجبرهم على اتخاذ قرارات محددة كتلك الأصول التي يلتزم بها حزب التحرير , وبالتالي يسهل عليهم تقديم إسلام لا يتناقض مع الطرح العلماني الغربي , لا بل يشرعن الرأسمالية , وهم يستبيحون ذلك في مرحلة الاستضعاف ليصلوا إلى مرحلة التمكين .
وليس سرّا أنّ الإخوان قد دخلوا بمفاوضات مع الدول الكبرى وخاصّة أمريكا في السنوات الماضية , ونجم عن هذه المفاوضات تفاهمات جعلت الأمريكان لا يمانعون من وصولهم للحكم وقد اندفعوا بهذا الاتجاه تحدوهم الآمال بأن ينجحوا باستنساخ التجربة التركية ؛ ولذلك أصبح شعارهم المرفوع هو الدولة المدنية القائمة على الديمقراطية وتداول السلطة " بدلا من شعارهم السابق " الإسلام هو الحلّ " .
ووجهة نظرهم في هذه السياسة أو هذا النهج تتلخّص في أنّ العالم العربي عبارة عن مستعمرة , وأنّ القوى الكبرى تتحكّم في كلّ صغيرة وكبيرة فيه , وأنّه لا سبيل لتحريره بالقوّة فلابد من المهادنة , والعمل المتدرج للوصول إلى التحرر الشامل وتطبيق الإسلام كاملا , وبما أنّ هذه الأنظمة الوظيفية القائمة على الاستبداد تسعى جاهدة لإفساد الشعوب وتدمير إمكانيات الأوطان فهم يسعون لأخذ السلطة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه , وبناء ما يمكن بنائه , ولا مانع لديهم من بقاء المظاهر غير الإسلامية في المجتمع لأنّهم يعتقدون أنّهم إذا ما كانت السلطة بأيديهم فإنّهم بالقدوة , والهيبة , والتوجيه سيجعلون تلك المظاهر تختفي بشكل تلقائي وطبيعي .
وفي فترة البناء هذه فإنّهم سيلتزمون بالمعاهدات الدولية فإن استطاعوا بناء القوّة التي تؤهلهم للتحرر الشامل فإنّهم سيتحللون منها .
هذا هو ملخّص وجهة نظر الإخوان فيما هو ظاهر من سلوكهم السياسي , وما يصدر منهم فهم يقدمون أنفسهم للغرب على أساس أنّهم ليسوا بتطرّف القاعدة والسلفية الجهادية ولا بفساد الأنظمة القائمة , وهو خيار قد يكون مقبولا للغرب بعد أن تعفّنت تلك الأنظمة الوظيفية وأصبحت في حالة احتضار , وأصبح البديل لها الإسلام المتطرف الذي يرفض التعايش مع الحضارة الغربية ومنظومتها الدولية .
لن أقف عند تجربة مرسي ولا تجربة تونس ولا ليبيا لأنّ ما جرى ويجري هو صراع دولي بين كبار اللاعبين , ولا علاقة له بخيار ما يسمّى بالإسلام المعتدل الذي يمثّله الإخوان المسلمون , وأؤكد بأنّ هذا الخيار لا يزال مطروحا , وحالة الرعب التي تجتاح الوظيفيات العربية من الإخوان يؤكد ذلك .
والمآخذ على هذا المشروع تتلخّص بما يلي :
1.
مآخذ أيدلوجية عقدية فغالبية الإسلاميين يرون في ذلك مساسا بثوابت الإسلام عقيدة وشريعة .
2.
إنّ تبني الرأسمالية المتوحشة واقتصاديات السوق الحر التي تعتبرها أمريكا من الثوابت التي لا تقبل المساومة عليها _ لن تسمح ببناء دولة قويّة كالتي يطمح الإخوان لبنائها .
3.
إنّ الغرب الذي استطاع تكبيل اليابان ومنعه من إنتاج القوّة التي تؤهله للتحرر منذ عام 1945م لن يسمح للإخوان بانتاجها لتظلّ التبعية مستمرة .
4.
إنّ الإخوان نظرا لأنّ مشروعهم قد مضى عليه أكثر من تسعة عقود , وتعاقب عليه أربعة أجيال وهو في موقع المعارضة المضطهدة , ووصل إلى مرحلة اليأس من وضعه موضع التنفيذ فقد شكّل حالة نفسية لحامليه جعلهم غير مؤهلين لسياسة الدول وقيادتها إذ يتعاملون مع الآخرين بعقلية ونفسية التنظيم المضطهد بما يمثّله ذلك من شكّ وعدم ثقة وعدم مودّة ...... فكيف إن أضيف لذلك ترسيخ مفهوم أنّهم هم جماعة المسلمين , وجميع التيارات الإسلامية التي تأسست بعدهم ما هي إلا جماعات ضرار , وإن كانت هذه نظرتهم للإسلاميين فما بلك بنظرتهم لغيرهم .
الثالث : مشروع "تحسين شروط العبودية " .
وهذا المشروع يقبل ضمنا بالدور الوظيفي للدولة القطرية , ولكنّه يأمل ببناء دولة تحقق الحياة الكريمة لمواطنيها , وتقضي على مظاهر الفساد الذي أصبح طريقة عيش , ومنهج حياة في هذه الوظيفيات المتعفنة .
وهذا المشروع تمثّله فئتان :
فئة تسعى لإصلاح المنظومة التشريعية للنظام لأنّها ترى أن الخلل فيها , وأنّ هذه المنظومة تنتج الفساد وتحميه , وتطالب بدولة ديمقراطية مدنية تكون السلطة فيها للشعب , وتؤكد على التلازم بين السلطة والمسؤولية ,وضرورة تغيير النهج السياسي للنظام , وهي بذلك تتوافق مع طرح الإخوان المسلمين , وإن كانت تختلف عنهم من حيث التنظيم فهذه الفئة ما هي إلاّ تيّار هلامي غير منظّم وغير واضح المعالم , وكذلك عدم الامتداد في المحيط العربي , وانحصار همّها الحقيقي بالدولة القطرية .
والفئة الثانية : تنحصر نظرتها ورؤيتها بالأشخاص , فهي ترى أنّ الحلّ يكمن في إسناد أمور الدولة للكفاءات الوطنية المخلصة , والاستغلال الأمثل لإمكانيات الوطن , والحفاظ على موارده , ومحاربة الفساد , ومحاسبة الفاسدين , وكفّ أيديهم عن الحياة السياسية , وهذه الفئة وإن كانت لا تختلف عن الفئة التي قبلها من حيث الشكل التنظيمي إلاّ أنّها تختلف عنها بأنّها لا تهتم كثيرا بأمر المنظومة التشريعية ( الدستور والقوانين والأنظمة ) , وترى أنّ الخلل في القائمين على هذه المنظومة , ولو قدّر لها أن تفعّل بأيد مخلصة صادقة أمينة لما وصل الحال إلى هذا الحال ؛ ولذلك يغلب على خطاب هذه الفئة الأمور المطلبية المعاشية بعيدا عن الشأن السياسي , وخاصّة ما يتعلّق بالسياسة الخارجية التي لا تلمس آثارها المباشرة على الشؤون المعاشية .
الصوت الجهضوي :
يقابل هذه المشاريع الثلاثة صوت يحاول أن يكون تيّارا يعمل بطريق غير مباشر على الحفاظ على الأوضاع الفاسدة القائمة , وهي يختلف عن مراكز قوى الفساد والاستبداد التي تتحكّم بجميع مفاصل الدولة , وتسخّرها للقيام بالدور الوظيفي , وتستغلّ رضا القوى الكبرى بما تمارسه من فساد وإفساد _ أقول إنّ هذه الفئة تختلف عن مؤسسة الفساد الرسمية _ إن جاز التعبير _ بأنّها تلبس لباس المعارضة , وترفع شعارات تخترق جميع السقوف , ويمثّل هذا الاتجاه فئتان تظهران متناقضاتان وهما في الواقع تخدمان هدفا واحدا ألاّ وهو الحفاظ على النظام كما هو , وإليكم بعض البيان الموجز عنهما :
الفئة الأولى : وهي تدعو لإصلاح الدولة , لا بل استرداد الدولة سلطة ومواردا إلاّ أنّها تدعو لدولة أردنية قطرية تقتصر على أبناء شرق الأردن فقط , وتعتبر الفلسطيني هو كلّ من انطبق عليه ما جاء في المادة الخامسة من الميثاق الوطني الفلسطيني والتي نصّها : "الفلسطينيون هم المواطنون العرب الذين كانوا يقيمون إقامة عادية في فلسطين حتى عام 1947 سواء من أخرج منها أو بقي فيها، وكل من ولد لأب عربي فلسطيني بعد هذا التاريخ داخل فلسطين أو خارجها هو فلسطيني." انتهى ..... ومعلوم أنّ حوالي نصف سكان الأردن تنطبق عليهم تلك المادّة التي وردت في الميثاق , ومعلوم أنّ الدول الكبرى لن تسمح بتجريد نصف السكان من الجنسية الأردنية , ولن تسمح بتجريدهم من حقوقهم السياسية , ومعلوم أنّ هذه دعوة علنية لحرب أهلية , فلن يصمت نصف الشعب على مثل هذا الأمر إن وضع موضع التنفيذ .
ويقابل هذه الفئة فئة تطالب بعكس هذا الأمر تماما , بدأت أصواتها خافتة تطالب بالمحاصصة , وترفع شعار الحقوق المنقوصة باعتبار أن نصف المواطنين والذين يعودون إلى أصول من غرب النهر محرومون من حقوقهم السياسية , ثمّ تطوّر هذا الطرح بأصوات متطرّفة يمثلها "مضر زهران " تنادي بإقامة الدولة الفلسطينية في الأردن , وتخاطب أبناء شرق الأردن بأسلوب استفزازي بأنّ وجودهم مستهدف , وأنّ المستقبل القريب سيشهد قيام هذه الدولة على أنقاض دولتهم !!
وغني عن القول أنّ طرح هاتين الفئتين مبني على مغالطة واضحة فاضحة , فالدولة القائمة هي كيان وظيفي لخدمة قوى الاستعمار , وأبناء الضفتين فيها يعيشون ظروفا بائسة متشابهة حدّ التطابق .... ولكن مثل هذا الطرح يراد منه أمرين :
الأول : إعطاء النظام ورقة ليقدمها للقوى الكبرى بأنّه وحده صمّام الأمان , وأنّ القيام بأيّ إصلاحات جوهرية ستغضب إحدى الفئتين , وتجرّ إلى نتائج وخيمة .
والثاني : جعل كلّ فئة من أبناء الضفتين تنظر للأخرى نظرة عداء وتوجّس , فتقبل الفئتان ببقاء الحال على ما هي عليه لئلا تحصل الكارثة .
ومن الجدير بالذكر أنني نبهت الفئة الأولى لخطورة ما تدعو إليه , فزعم رموزها والمدافعون عنها بأنّهم يدعون لذلك حرصا على فلسطين لئلا تضيع بتذويب هوية شعبها , فقلت لهم إنّ الشعب الفلسطيني بحدود الثمانية ملايين منهم ثلاثة ملايين يحملون الجنسية الأردنية , والبقية لا يحملونها وهم موجودون في فلسطين وفي الشتات , فإن كان همّكم فلسطين والحرص على هويتها فلنتمترس خلف هؤلاء الملايين الخمسة ونطالب لهم بدولة فلسطينية , وأمّا الذين يحملون الجنسية الأردنية حاليا فهم أردنيون , ولا يجوز أن ينظر إليهم بغير هذه النظرة ......... والعجيب الغريب أنّهم أبوا الوقوف عند مثل هذا الحلّ الذي يحلّ مشكلة الأردن , ويحافظ على هوية فلسطين , مما يدلّ على أنّ شعار الحفاظ على فلسطين هو كلمة حقّ يراد بها باطل , ولا يراد منها إلاّ إعطاء النظام المبرر لإبقاء الحال على ما هي عليه بدعم دولي وإقليمي علاوة على تخويف الشعب من الفتنة .
وبعد ............
هذه هي المشاريع المطروحة فما الذي يريده المواطن العادي الذي هو الشعب , وما هو موقفه منها ؟؟
نشرت في بداية الحراك عام 2011م مقالا تحت عنوان " ماذا يريد المواطن العادي ؟ " ونشر عدّة مرّات بتواريخ مختلفة فكان مما جاء في مقدمته ما نصّه : ((ماذا يريد المواطن العادي " أنا المواطن العادي النكرة الذي لا تربطني علاقة بجبهة ولا حزب , ولا رقم إلاّ الرقم الوطني ........ أنا الذي باسمي تتشكّل الهيئات ,وتعقد الاجتماعات وتتصارع الاتجاهات , والكلّ يدّعي تمثيلي , والدفاع عن مصالحي , والعمل من أجلي , أنا الأغلبية الصامتة المسماة بالجماهير التي لا تحسن التعبير , ولا تجيد التنظير , أتدرون ماذا أريد , وما الذي يزعجني حدّ القهر , وما الذي يعنيني وما الذي لا يعنيني ؟؟ تحدثتم باسمي كثيرا , وأصغيت طويلا , فهل تمنحوني آذانكم ساعة من زمان لتسمعوا رغائبي , وآمالي , وآلامي , ومقابلها أمنحكم ظهري مدى الدهر لتتسلقوا عليه , وأكتافي لأرفعكم عليها , أنا لم أقرأ لآدم متز , ولا لميكافيلي ولا أعرف ماركس , ولا اميّز بين الشيعة والشيوعية , ولا أفرّق بين حزب التحرير ومنظمة التحرير , ولا أعرف فرقا بين الإخوان المسلمين والصوفيين وشيوخ الأوقاف وجماعة الدعوة , لا أعرف شيئا عن أنظمة الحكم , وقوانين الانتخاب , وصلاحيات البرلمان , والحكومة , لا أفهم مصطلحات اليبرالية أو الديجتال أو السوق الحرّ ولا أنواع الملكيات والدساتير ولا أعرف فرقا بين إيدلوجيا وبيلوجيا وسيكلوجيا ...... نعم أنا لا أدري عماذا تتحدثون !! ولكنني أعرف ما أريد ,........ الخ )) ثمّ تعرضت فيه لصور من حياة الجحيم التي يعيشها المواطن ثمّ ختمته بما يلي :
((
يا معشر المتحدثين باسمي من رسميين أو حزبيين أو هيئويين أو مستقلين : هذه بعض همومي وآلامي وأسقامي ؛ لأنّ قائمة الأمثلة تطول وتطول فإن تركت للقلم العنان سودّت مئات الصفحات , فالأمر جلل , " وأنا النذير العريان " ولا أملك إلاّ أن أتمثل بقول نصر بن سيّار إلى بني أميّة عندما ظهرت " المسودّة " في خرسان , حيث يقول :
"
أرى خَلَلَ الرَّماد وَمِيضَ جمرٍ وأَحْرِِ.... بأن يكون له ضِرامُ "
"
فإن النار بالعودين تُذْكَى....... وإنّ الحرب مبدؤها الكلام "
"
فقلتُ من التعجّب ليت شعري ....... أأيـــــقاظٌ أُميّــــــــةُ أم نِيامُ "
أتدرون لماذا هذه الاستغاثة الحرّى , وتلك الصرخة الثكلى ؟؟ لأنّ النتيجة الموضوعية لهذه الحياة هي جيل من الشباب أغلقت أمامه جميع السبل , فهو جيل يائس بائس ناقم على الجميع , كافر بالجميع ؛ لأنّه يعيش واقعا مزريا من الفقر والبطالة , ويرى أنّه لا سبيل لبناء حياته , ولا وسيلة لتكوين نفسه , ولم تعدّ شعارات الوطنية , والأهازيج الحماسية , وفزّاعات (المنعطفات الحادّة ) ( والاستهداف ) ( والوطن البديل ) تعني له شيئا , ولم تعد قصص المشايخ وأحاديثهم عن القدرية الغيبية وأن ما يجري هو قضاء مبرم , وقدر نافذ تعني له شيئا , ثمّ هو ينظر إلى أُلهيات الشباب من الهيئات والتجمعات وشعارات "التنمية السياسية " وغيرها نظرة لامبالاة واحتقار ؛ لأنّه بحاجة إلى تعليم جامعي , وإلى عمل يعتاش منه , وإلى بناء بيت وزواج وتكوين أسرة , وكلّ هذه المطالب الملحّة عزيزة المنال على الغالبية العظمى ......... إنّه كمريض يتمنى الموت من شدّة الألم .
يا معشر المتحدثين باسمي من رسميين أو حزبيين أو هيئويين أو مستقلين : إنني أؤكد إلى حضراتكم أننا معشر البسطاء والأغلبية الصامتة من المواطنين لا تعنينا قصّة تشكيلة الحكومات من قريب ولا بعيد , ولا فرق عندنا بين وزير من حاضرة أو بادية إلاّ بما يقدمه للوطن من خدمات , ولايعنينا تعديل الدستور أو تعطيله أو تفعيله , ولا قانون الانتخاب ولا مكاسب الأحزاب , إننا فقط نبحث عن العدالة , وصيانة الحقوق , وحفظ الوطن من الأخطار , ومستعدون للتضحية بكثير من الحقوق والمصالح في سبيل الوطن وأمنه واستقراره شريطة أن نشاهد أنّ الحكومات جادّة في الإصلاح , محسنة لإدارة الموارد , فالناس لا يلومون الحكومة على ضعف الإمكانيات ولكنّ اللوم كلّ اللوم هو في عدم إحسان إدارة هذه الإمكانيات , والسخط كلّ السخط على السياسات المتعمدّة المكشوفة لتدمير الاقتصاد الوطني , ولا يذهبن بكم الوهم إلى أنّ هذا القول هو رأي شخصي فهذا الذي أقوله هو حديث الناس في مجالسهم وغرف نومهم ...... الناس يعتقدون اعتقادا جازما مصدره المشاهدة البصرية أنّ أزماتنا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية هي نتيجة سياسات خاطئة , وإهمال متعمد وفساد مكشوف , وإدارة في غالبية المؤسسات لا يوجد عندها حسّ بالمسؤولية , وهذه الإدارة ساهمت ولا تزال تساهم في إخفاق الحكومات المتعاقبة ؛ لأنّ الوزير مهما بلغ من الكفاءة والإخلاص فإنّه لن يستطيع أن يفعل شيئا ما لم يكن لديه كادر صادق مخلص يتصف بصفتين اثنتين : الرغبة بالعطاء والقدرة على العطاء = القوي الأمين ...... إنّ الإدارة الأردنية بحاجة إلى عمليات جراحية عاجلة , ووضع أسس جديدة لانتقاء المديرين والأمناء العامين ورؤوساء الأقسام , والموظفين , ولا بدّ من حملة توعية لكبار الموظفين ليترفعوا عن سياسة إفشال بعضهم بعضا , وإفهامهم بأنّ السقف إن سقط _ لا سمح الله – فإنّه سيسحق الجميع , وأنّ أمثالهم هم الخاسرون فعلا , أمّا نحن عامّة الناس البسطاء فليس لدينا ما نخسره.)) انتهى .
إذن نحن الذين نتقلّب في هذا الجحيم نقول لكلّ من يريد انقاذنا : العجل العجل , الغوث الغوث , فإن جاءنا من يزعم أنّه يريد أن يبني لنا قصرا مشيدا في جنّات وعيون ومقام كريم صفقنا له , وربما ساعدناه برأينا فيما يلزمه لبناء ذلك القصر وتلك الجنّة , فإن جاءنا غيره وقال أريد أن أخرجكم من جهنم ولكن إلى بيوت من الطين أو الطوب شجعناه وقلنا له (يدنا بحزامك) , وربما ساعدناه بالرأي والمشورة , وإن جاءنا من يعدنا بالخروج من جهنم إلى خيمة في صحراء قاحلة وافقنا , واقترحنا , ونصحنا ....... لأنّ المهم عندنا هو الخروج من جهنم !
نصرخ بأصحاب المشاريع ونسلخهم بسياط النقد لا بغضا لهم ولا محاربة لمشاريعهم , ولكننا نفعل ما نفعل لنستحثهم على إنجاز ما يعدون به ليخرجونا من النار والدمار .... وكما تعلمون أنّ الخيل عند العرب أعزّ من النفس والولد والمال , ولكنّهم في ساعات الخطر يلهبونها بالسياط لتأتي بأقصى جهدها , ونهاية حُضْرِها , وكذلك نحن الشعب نفعل مع طلائعه على اختلاف مشاريعهم ومناهجهم ...... ننتقد لننبّهم لما نراه من خلل في مشاريعهم على أمل أن يعدلوا ويبدّلوا , ويصوبوا ويصححوا لعلّهم يخرجوننا من هذه الجحيم ..... فهل وصلت الرسالة ؟؟ وهل فهم دعاة النهضة والإصلاح ما نريده نحن معشر الشعب ؟؟ أم أن قدرنا بأنّنا لن نجد من يفهمنا لا من مؤسسة الحكم ولا من المعارضة ؟؟؟
الذي أراه وأكاد أجزم به أنّه لا يوجد من يفهمنا , ولا أحد يريد أن يفهمنا .

الثامن من أيلول 2014م .

فلاح أديهم المسلمي الصخري .




جديد قسم : مشروع تحرر

إرسال تعليق