-->

النظرية في العلاقات الدولية (2)


وظائف النظرية


النظرية هي مجهود منظم لطرح أسئلة من شأنها تمكين الباحث من تنظيم معرفته، من توجيه بحثه، و من تفسير النتائج التي يتوصل إليها. فمن مهام النظرية إذن مساعدة الباحث على تنظيم المعطيات التي يجمعها، و التعرف على العوامل و المتغيرات الأساسية لمجال البحث و تركيز اهتمامه و بحثه على القضايا الأهم. قد لا تقدم النظرية للباحث مفتاحا لفهم معنى السياسة الدولية لكن من مهامها أن تقوده إلى فهم منطقي للمعطيات.

تشير النظرية في نفس الوقت إلى:
1- أطر اصطلاحية هي بمثابة الأسئلة (questions) التي بمقدورها توجيه البحث.
2- أطر اصطلاحية هي بمثابة نظام من الفرضيات العملية (a system of working hypotheses) وظيفتها الأساسية هي أيضا توجيه البحث (مثل نظرية النظم، نظريات اتخاذ القرار... إلخ).
3- سلسلة طموحة من الاقتراحات (propositions) المتشابكة و التي تسعى إلى شرح مجموعة من السلوكيات و فهم حقل البحث سواء جزئيا أو كليا، و تأتي هذه الاقتراحات سواء من الفرضيات أو من الإجابات التي يتوصل إليها الباحث من خلال إطار معين.

أنواع النظرية



  • يرى ستانلي هوفمان أنه يمكن تقسيم أنواع النظرية إلى ثلاثة أنواع من حيث هدفها:


1- النظرية المعيارية (normative) أو القيمية (value theory) و تقوم على أسس أخلاقية مثل تلك التي أنتجتها الفلسفة السياسية و منها نظرية إيمانويل كانط (E.Kant) للسلم الدائم (perpetual peace) من خلال نظام فدرالي عالمي تشارك فيه كل الجمهوريات.

2- النظرية التجريبية (empirical) أو السببية (causal) و هي تلك التي تحاول تحليل السلوك السياسي المعاصر و معرفة المتغيرات الأساسية مثل نظرية ميزان القوة (balance of power) التي تم استعمالها لشرح العلاقات الدولية في القرنين 18 و 19.

3- النظرية كمجموعة من الوصفات للعمل السياسي أي "العلم كسياسة" (policy science) أو نصائح في مجال تسيير شؤون الدولة، تساهم هذه النظرية في فهم الحاجات التي تتطلع إليها اللحظة، المثال على ذلك البحوث حول الحرب النفسية أو الإستراتيجية العسكرية.



  • أما مايكل سوليفان (Michael Sullivan) فيعتبر أنه من الضروري التفرقة بين عدة أنواع من النظريات:


1- النظريات المعيارية (normative) و هي تلك التي تحاول تحديد ما يجب أن يكون عليه الإنسان و ما يجب أن تكون عليه الأشياء، و عادة ما يكون ذلك طبقا لمعايير أخلاقية. فعلى الناس احترام قوانين معينة لأن ذلك السلوك "صحيح" (just) أو "حق" (right)، فالنظام الديمقراطي هو أحسن نظام سياسي لأنه يفسح المجال أمام الاختيار الشخصي و يقف في وجه استبداد أقلية معينة و هذا "جيد" (good). على الدول أن تعتمد على نظام ميزان القوة لموازنة القوى الأخرى و ذلك بهدف منع هيمنة دولة واحدة. فباعتمادها على مسلمات تعتبرها معقولة تجريبيا فإن النظرية المعيارية رغم ذلك تقوم على وصف ما يجب أن يكون (what ought to be).

2- النظريات الحدسية (intuitive) و تعتمد على الإحساس العام حول قضية معينة. معظم الناس لهم نظرياتهم المفضلة حول أسباب الجريمة مثل "كل سارق يفعل ذلك لأنه شرير، هذه نظريتي" و لكنهم لا يلجئون إلى التحقق من نظرياتهم الحدسية بالاحتكام إلى الواقع.

3- النظرية السببية (causal) و هي تجريبية (empirical) و ترى أن كل ظاهرة نتاج ظاهرة أخرى و بالتالي فإنها تسبب ظهورها. كل النظريات في الواقع سببية و لكن النظرية السببية التجريبية لا تكتفي بتقديم فكرة معينة بل تتعدى ذلك إلى التأكد من صحتها بمقارنتها بالواقع. فمفهوم السياسة الذي قدمه جيمس كابورازو (James Caporaso) و آلن بيلوفسكي (Alan Pelowski) يبين هذا جيدا لأن عالم السياسة يعد بمثابة المخبر للأحداث، فوراء كل عملية تشريع أو عملية تغيير أو خطة سياسية (و هنا تأتي الخطة السياسية الدولية) هناك تكهن "فرضية" (hypothesis) بالنتائج التي سوف تؤدي إليها. أي تغير في (أ) يؤدي إلى تغيير (ب)، أي مثلا كل تغير في شكل نظام الحكومة المحلية يؤدي إلى القضاء على الرشوة. إن خلق منظمات دولية مثل عصبة الأمم أو هيئة الأمم المتحدة سوف يؤدي إلى التقليل من عدد الحروب في العلاقات الدولية.


  • يقول كريس براون (Chris Brown) أننا إذا ما ركزنا على موضوع الحرب مثلا فإن إجابتنا عن السؤال "لماذا تقوم الدول بمحاربة بعضها البعض؟" تشير إلى مجموعة من النظريات:


1- نظريات الشرح (explanatory) و هي التي تحاول شرح "لماذا" تحدث الحرب و تحت أية ظروف .

2- نظريات معيارية (normative) أو وصفة (prescriptive) وهي التي تشرح لنا كيف يجب أن يكون موقفنا من الحرب، فهل نتطوع للمشاركة في الصراع أو نعارضها بصفة واعية.

3- نظريات تفسيرية (interpretative) تقوم بتفسير الأحداث و منحها معنى (مثل عدد القتلى في الحرب العالمية الأولى).



الخلاصة

إذا ما أخذنا مفهوم النظرية في العلاقات الدولية كجزء من العلوم الاجتماعية فإنه بإمكاننا القول أن هناك إذن أنواع كثيرة من النظريات وكل نظرية تنقسم إلى أنواع فرعية  كل هذه الأنواع تعود إلى الاختلافات الموجودة لدينا للإجابة على نفس السؤال:


  • ماذا تعني الظاهرة؟ لماذا حدثت؟ ما هو واجبنا لمواجهتها؟
 الاتفاق الموجود في العلوم الطبيعية بين الباحثين يغيب تماما في العلوم الاجتماعية و هذا ما يفسر العدد الكبير للنظريات المتنافسة،
 لا واحدة منها مقنعة تماما، ففي قضية الحرب مثلا  تركز بعض النظريات على شخصية الحكام أو على خصائص الأنظمة السياسية أو على خاصية الفوضى التي يتصف بها النظام الدولي، أي أنه يبدو أن كل نظرية تحاول تفسير بعض أبعاد الحرب فقط. إذا ما رغبنا في تقليص عدد النظريات فإننا لا يمكن أن نتأكد من أيها صحيح و بالتالي فإن أي تخل عن نظرية معينة قد يبعد الإجابة الصحيحة (إذا ما افترضنا أن هناك نظرية صحيحة) و لهذا نبقي على كل النظريات. لا يمكن أن نعزل الإجابة الخاطئة لأننا ببساطة لا نعرفها ثم أن التعدد في هذه الحالة ظاهرة إيجابية لأن للنظريات أبعادها السياسية.



المراجع




  1. John Baylis & Steve Smith, The Globalization of World politics : an Introduction to International relations. Third edition. Oxford University Press, Oxford, UK, 2005.
  2. Chris Brown, Understanding International Relations. Second edition. Palgrave, Hampshire, England, 2001.
  3. Charles Boasson, Approaches to the Study of International Relations. Van Gorcum & Comp., Netherlands, 1972.
  4. Quincy Wright, “Development of a General Theory of International Relations” in Horace Harrison, ed., The Role of Theory in International Relations.D.Van Nostrand Company, inc., Princeton, 1964.
  5. Stanley Hoffmann, Contemporary Theory of International Relations. Prentice-Hall, inc., New Jersey, 1960.
  6. Michael Sullivan, International Relations: Theories and Evidence. Prentice Hall, New Jersey, 1976.
  7. Kenneth Waltz, Theory of International politics. Addison-Wesley Publishing Company, Reading, Massachusetts, 1979.


للعودة الى النظرية في العلاقات الدولية (1)

جديد قسم : theory