هل من سبيل للتفكير من خارج الصندوق ؟
بقلم : ابا الحارث المسلمي الصخري
أمّا هذا فقد نصح، وأخلص النصح، ودقّ جرس الإنذار، وأشار إلى مداخل الخطر الخارجي والداخلي بإيجاز بما يحتمله خطاب مثل هذا في مثل هذه الظروف، ولم أستغرب منه ذلك ؛ لأنّه لم يكن متقوقعا ينظر للناس من صومعة ، ولا مجرد واعظ يقوم نهجه على قاعدة " قل كلمتك وأمش" ولكنّه من الذين حملوا دعوة الإسلام بجديّة تتناسب مع عظمتها ، فعرف الناس وعرفوه، وسمع منهم، وسمعوا منه، وفهم واقع المجتمع فهما صحيحا بعيدا عن الفهم الساذج ....
ولكن هل سيجد من يلتقط هذه الإشارة ؟
وإبراء للذمة أقول :
إنّ هذا الخطاب موجّه إلى أبناء التيار الإسلامي، ومصطلح التيّار الإسلامي يشمل جميع الأحزاب والجماعات والشخصيات التي يفترض أنّها تحمل الإسلام رسالة حياة، وقضية تعيش لأجلها، ومشروعا حضاريا بديلا تدعو إليه، وهذا التيّار كانت بواكيره قد ظهرت منذ أواخر القرن التاسع عشر حيث كان يطالب بتجديد الإسلام ثمّ كان سقوط الخلافة العثمانية، وانفراط عقد المسلمين، وتشرذمهم فأصبح هذا التيّار يدعو لعودة الإسلام ودولته وإن أختلفت مناهج القوم ، ولكنّهم مع مرور الزمن قد تماهوا مع الحالة السائدة بدرجات مختلفة، وعندما جاء (الربيع العربي) وثورة الانترنت انكشف سترهم، وظهرت حقيقتهم ، وتبيّن أنّهم غير مؤهلين لقيادة الأمّة .....
وأمام ذلك تبيّن لكلّ ذي بصر وبصيرة أنّ قوام هذا التيّار يتكون من :
1- قيادات أقلّ ما يقال فيها أنّها ساذجة.
2- السواد الأعظم مجرّد سحيجة متعصبين ليسوا مستعدين لفتح عيونهم وعقولهم لمشاهدة الأمور على حقيقتها.
3- فئة من النابهين المنتفعين من هذا التيار بشكل أو بآخر من أشكال الانتفاع، ولذلك هم يغضّون الطرف عمّا يجري حفاظا على مصالحهم .
4- وأقلّ القليل هم الذين حاولوا الإصلاح من الداخل فلم يستطيعوا فخرجوا وارتفعت أصواتهم.
وهذه القلّة القليلة من الذين حاولوا الإصلاح يجدون صعوبة بالغة في التحرر الفكري من أسر فكرهم الحزبي، فهم أشبه بحال أبي حامد الغزّالي الذي قيل عنه " دخل في بطون الفلاسفة ثم أراد أن يخرج منها فما قدر" ، فالتحرر الفكري هو أصعب الأمور على الإطلاق، وهؤلاء يرون أنّ الخلل في الأشخاص القائمين على المشروع، وفي انحراف بعضهم عنه، ولكنّه يصعب عليهم تخيّل أنّ الخلل في المشروع نفسه، وفي الأسس الفكرية لهذا المشروع، ولن يستطيعوا استيعاب أنّ هذا المشروع الذي يعتقدون أنّه هو الإسلام المنزّل هو في الواقع (إسلام مؤول) ولا يخلو من (إسلام مبدّل ) ، وقد بدأ تأويله وتبديله منذ اغتصاب السلطة بشكل رسمي عام 40 هـ ، والذي سمّي بعام الجماعة، وهذا الاغتصاب لا يختلف فيه أحد، وهو أمر أعلنه معاوية بن أبي سفيان صراحة، فعن سعيد بن سويد قال صلى بنا معاوية الجمعة بالنخيلة في الضحى ثم خطبنا فقال: " مَا قَاتَلْتُكُمْ لِتُصَلُّوا , وَلَا لِتَصُومُوا , وَلَا لِتَحُجُّوا , وَلَا لِتُزَكُّوا , وَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّكُمْ تَفْعَلُونَ ذَلِكَ , وَلَكِنْ إِنَّمَا قَاتَلْتُكُمْ لِأَتَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ , وَقَدْ أَعْطَانِي اللَّهُ ذَلِكَ وَأَنْتُمْ لَهُ كَارِهُونَ ".
ومنذ ذلك التاريخ بدأ تأصيل إسلام مؤول ليتفق مع طبيعة الحكم الاستبدادي الوراثي ، وهذا يوجب على كلّ مخلص يريد تقديم (المشروع الرباني المنزّل على محمد صلى الله عليه وسلم ) والذي لا يزال محفوظ بالقرآن يقينا __ أن يعيد النظر في التراث الإسلامي كاملا ليخلصه من الزيف، مستنيرا بنور القرآن ، والسنن المتواترة ، والعقل السليم، وما لم يتمّ ذلك فإنّ المشروع الإسلامي لن يعدو أن يكون إعادة إنتاج للإسلام المؤول والمبدّل.
و السؤال : هل تستطيع تلك القلّة من أبناء هذا التيار التي تريد الإصلاح أن تخطو هذه الخطوة ، لا سيما أنّ الطريق أمامهم كادت تتضح معالمه بطروحات دعاة التجديد على اختلاف مستوياتهم وأهدافهم ، والذين نجدهم في كلّ مكان، على ما هم عليه من تخبّط ؟