-->

نظرية الظروف الاستثنائية (1)

 نظرية الظروف الاستثنائية وبعض تطبيقاتها المعاصرة

Theory of exceptional circumstances 

أمير حسن جاسم
جامعة تكريت / كلية القانون

المقدمة

تعد نظرية الضرورة استثناءاً أو قيداً يرد على مبدأ سمو الدستور والنتائج المترتبة عليه، وتستمد هذه النظرية مدلولها من القاعدة الرومانية التي تقول " إن سلام الشعب فوق القانون " وبموجب هذه النظرية فإن القواعد الدستورية وجدت لتنظيم ممارسة السلطة في الدولة وهذا التنظيم يرتكز على مبادئ تهدف بالدرجة الأساس إلى تقييد سلطة الحكام وإيجاد نوع من التوازن والفصل بين مؤسساته المختلفة وذلك من  اجل تامين وحماية مبدأ سيادة القانون وحقوق الإنسان وحرياته، وحيث إن هذه المبادئ قد شرعت للظروف الطبيعية فإذا ما استجدت ظروف استثنائية قاهرة من شأنها المساس بكيان الدولة أو السلامة العامة للمجتمع كحالة الحرب والأزمات الحادة أو حالة التمرد والعصيان لابد من مواجهتها باتخاذ تدابير استثنائية. فحالة الضرورة هذه هي التي تجيز لإحدى هيئات الدولة إلا وهي الهيئة التنفيذية متمثلة برئيسها أن تعلق كل أو بعض نصوص الدستور وتباشر ممارسة وظيفة التشريع خلال مدة من الزمن ويجب أن لا تستمر هذه الحالة إلا لمواجهة الظروف التي أدت إليها فينبغي العودة إلى الحالة الطبيعية حال زوال تلك الظروف فالضرورة تقدر بقدرها.
والجدير بالذكر أن الفقه استعمل مصطلحات عدة لهذا المفهوم فنجده تارة ً يستخدم مصطلح الظروف الاستثنائية وتارة  مصطلح الضرورة لنفس المفهوم.
وبسبب ما للإجراءات المتخذة من قبل السلطة التنفيذية في تلك الفترة من اثر مباشر وخطر على حياة المجتمع وما يصاحبه من مصادرة للحقوق والاعتداء على الحريات العامة فإن مثل هذه الصلاحيات يجب أن لا تمنح إلا في حالة خاصة جداً بحيث يؤدي عدم تدخل الإدارة لمواجهة هذه الظروف إلى إلحاق ضرر جسيم بالدولة يهدد وحدة أراضيها ويشل حركة الحياة فيها، فيباح هنا للسلطة التنفيذية إصدار تشريعات وان مثل هذا الإجراء سيؤدي إلى نتائج خطيرة على حياة المجتمع وقد يؤدي إلى تعزيز النظم الدكتاتورية التي لا يهمها سوى الاستمرار في اضطهاد الشعوب والتحكم في مصائرها وهذه الأسباب هي التي دفعت القضاء، ولاسيما مجلس الدولة الفرنسي، إلى إرساء ثوابت هذه النظرية وإشتراطه لتطبيقها خضوع الإجراءات المتخذة من قبل السلطة التنفيذية إلى رقابة القضاء الإداري وضرورة انتهاء تطبيقها حال زوال هذا الظرف الاستثنائي.
وقد اتبعنا في هذا البحث المنهج التحليلي الذي يقوم على تحليل أراء الفقهاء ومناقشتها ومعرفة مدى انطباقها على الواقع العملي للوصول إلى أفضل السبل لحماية حقوق الأفراد وحرياتهم من تجاوزات السلطة التنفيذية.
وسنقسم هذه الدراسة  في سبيل ذلك إلى ثلاثة مباحث نمهد قبل الخوض فيها لعلاقة ركن الاختصاص في القرار الإداري بنظرية الظروف الاستثنائية ثم نخصص المبحث الأول لمفهوم نظرية الظروف الاستثنائية والثاني لأثر نظرية الظروف الاستثنائية على مبدأ المشروعية والثالث للسلطة التشريعية لرئيس الدولة في ظل الظروف الاستثنائية لننتهي بخاتمة نعرض فيها لأهم النتائج والتوصيات التي توصلنا إليها. 

تمهيد

ركن الاختصاص وعلاقته بنظرية الظروف الاستثنائية

يُقصد بالاختصاص الصلاحية القانونية التي تمنح لموظف أو هيئة عامة لمباشرة عمل من الأعمال القانونية.(1) يعرفه البعض بأنه تقسيم العمل بين الهيئات العامة للدولة تتولاها القوانين والقرارات التنظيمية وفقاً لمتطلبات المصلحة العامة.(2) حيث تتولى الدساتير تحديد المواضيع التي يجوز لكل من السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية مباشرتها. ولا يجوز لها أن تتعداها وإذا ما خالفت هذه القاعدة فإن قرارها يكون مشوباً بعيب اغتصاب السلطة. فليس لرجل الإدارة مباشرة أي من اختصاصات السلطتين التشريعية والقضائية. فإذا ما فعل ذلك ترتب على هذا العمل انعدام القرار الإداري لكوننا أمام حالة غصب للسلطة. (3)
           في حين إذا ما تعرضت حياة الأمة لازمات ومخاطر من الممكن أن تؤدي إلى انهيار الدولة أو تعرض سلامتها للخطر فان مثل هذه الظروف الاستثنائية تتيح للسلطة التنفيذية التجاوز على قواعد الاختصاص الوظيفي الموضوعة أصلاً للظروف العادية فتصبح قادرة على خوض غمار التشريع والتي هي في الأصل من اختصاص السلطة التشريعية، ففي خضم هذه الظروف التي تمر بها البلاد لابد أن تسمح الشرعية الدستورية  لجهات معينة تتمثل بالسلطة التنفيذية باتخاذ القرارات اللازمة لمواجهة الأخطار التي تمر بها البلاد وذلك بعد توافر شروط معينة وإجراءات محددة تنص عليها هذه الدساتير.(4)
           وان حق السلطة التنفيذية في اتخاذ بعض القرارات الاستثنائية والتي تكون مشوبة بعيب الاختصاص الذي يتجسد في اغتصاب السلطة لكونها تدخل في المجال التشريعي أو مشوبة بعيب مخالفة القانون حيث تعد مثل هذه القرارات غير مشروعة في معيار القواعد العامة التي تحكم الظروف العادية  في الوقت الذي تعد مشروعة بل واجبة في ظل الظروف الاستثنائية متى كان ذلك لازماً لحماية البلاد من خطر داهم.(5)
            ويتبين لنا مما سبق أن السلطة التنفيذية وعند قيامها بالإجراءات واتخاذها القرارات اللازمة لمواجهة الظروف الاستثنائية تكون قد تجاوزت الاختصاص الممنوح لها واغتصابها للسلطة ومع أن ما تمارسه السلطة التنفيذية في ظل هذه الظروف كان من اختصاص السلطة التشريعية إلا أن الدساتير عادة ما  تخول السلطة التنفيذية سلطة اتخاذ تلك الإجراءات لمواجهة هذا الظرف الاستثنائي.




الهوامش 

(1) د. ماهر صالح علاوي، مبادئ القانون الإداري، جامعة الموصل، دار الكتب للطباعة والنشر، 1996، ص ـ164.
(2) د.طعيمة الجرف، مبادئ القانون الإداري، دار النهضة العربية، 1985، ص 113.
(3) د. سليمان الطماوي، النظرية العامة للقرار الإداري، دار الفكر العربي، القاهرة، 1994، ص 304.
(4) د. نعم احمد محمد  ودولة احمد عبدا لله، التنظيم القانوني لحالة الطوارئ، دراسة مقارنة، بحث منشور في مجلة جامعة تكريت للعلوم الإنسانية، المجلد2، العدد 4 لسنة 2005، ص 120.
(5)- د.سليمان الطماوي، النظم السياسية للقانون الدستوري  دراسة مقارنة، دار الفكر العربي، القاهرة، 1988، ص533.

جديد قسم : exceptional circumstances

إرسال تعليق