المبحث الثاني
اثر نظرية الظروف الاستثنائية على مبدأ المشروعية
ولا
بد لنا هنا من تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين
نخصص الأول لـعلاقة نظرية الظروف الاستثنائية بمبدأ المشروعية والثاني لـضمانات
تطبيق مبدأ المشروعية وكما يلي :ـ
المطلب الأول
نظرية الظروف الاستثنائية ومبدأ المشروعية
الأصل انه يتعين على السلطة التنفيذية وتطبيقاً لمبدأ
المشروعية الالتزام بالقانون في كل زمان ومكان أياً كانت الظروف غير أن هذا الأصل إذا
كان صالحاً في الظروف العادية فانه ليس كذلك في الاستثنائية (24) فإذا
كان مبدأ المشروعية يفرض على الإدارة أن تتقيد فيما تتخذه من أعمال وتصرفات بأحكام
القوانين وبعدم الخروج عليها وان تستند أعمالها وتصرفاتها إلى قاعدة قانونية
تجيزها إلا أن ذلك لا يكون كذلك إذا ما تعرضت لظروف غير مألوفة تتطلب الإسراع في اتخاذ
التدابير اللازمة لحماية امن الدولة ونظامها العام ومرافقها الأساسية مما يهددها
من مخاطر وبالقدر الذي تقتضيها هذه الظروف الطارئة الجديدة. (25)
وفي إطار بيان العلاقة بين نظرية الظروف
الاستثنائية ومبدأ المشروعية فقد تبنى الفقه تيارين أساسيين (26)، الأول
ينكر كل قيمة قانونية لنظرية الظروف الاستثنائية ويعتبرها خروجاً على مبدأ
المشروعية ولا تستند إلى أي أساس قانوني وهذا هو التيار الأساسي الذي تبنته
المدرسة الانكلو أمريكية، أما التيار الثاني فيعتبر نظرية الظروف الاستثنائية
قانونية داخل مبدأ المشروعية وتتمثل في ذاتها الأساس القانوني لسلطات الإدارة
الاستثنائية وهذا هو التيار القانوني الذي يعد تلك النظرية نظرية قانونية ثبتها الفقه الألماني
وجانب من الفقه الفرنسي مع بعض القيود.
ويذهب الدكتور يحيى الجمل إلى أن (نظرية
الضرورة لا تؤدي إلى هدم الشرعية وتجاورها تجاوراً كلياً) (27) ويستفاد
من ذلك إن نظرية الظروف الاستثنائية تؤثر تأثيرا جزئياً فحسب في قواعد المشروعية
غير أن الفقه في تصوره لهذه العلاقة إلى مذاهب شتى فمن الفقه من يذهب إلى أن نظرية
الظروف الاستثنائية تنتج أثارها على مبدأ المشروعية من خلال توسيع قواعد المبدأ
بما يؤدي إلى التلطيف من أداء واجبها في المحافظة على النظام العام وسير المرافق ولكن
المشروعية ذاتها قائمة. (28)
ففي تلك الظروف يتم توسيع المشروعية وتعديل
حدودها وهو أمر يجريه القاضي بحكم قوامته على تفسير القانون بما يلائم ظروف
تطبيقها فالأمر يتعلق بتفسير قواعد القانون تفسيراً واسعاً يسمح للإدارة بسلطات
العمل السريع التي تقتضيه مهمتها لصيانة الأمن وحسن سير المرافق العامة (29).
بينما عبر البعض عن ذات الاتجاه (توسيع نطاق المشروعية) بطريقة أخرى إذ أن الأحكام
الدستورية يجب أن تخضع أمام الضرورة العليا لسلامة البلاد وهذه النظرية تمثل
استثناءاً وارداً على مبدأ علو الدستور حيث يوقف العمل بهذا المبدأ لصالح الحكام
وتعفى السلطة التنفيذية من احترام الدستور والقوانين إذا ما اقتضت ذلك الضرورات
العليا لسلامة الدولة، ويتضح من خلال هذه الآراء أن نظرية الضرورة أو الظروف
الاستثنائية عُدت توسيعاً في نطاق مبدأ المشروعية على نحو يشمل معه الإجراءات الاستثنائية التي تتخذها الإدارة
لتكسبها شرعية استثنائية (30) وتعتبر هذه النظرية استثناءاً من مبدأ
المشروعية أو قيداً يرد عليه فالأحكام الاستثنائية للظروف الاستثنائية تتعارض
والأحكام العامة في مبدأ المشروعية لذلك يبدو القول بان مبدأ المشروعية يتسع ليشمل
طائفتين من الأحكام والقواعد المتعارضة في الهدف والطبيعة والدور قولاً غير دقيق
لان توسيع دائرة المشروعية العادية يفترض تناغماً في الحلول وانسجاما في الأحكام
أو على الأقل عدم التعارض بينهما. لان طبيعة النظام القانوني الاستثنائي الذي
تستخدمه الضرورة يختلف عن النظام المعد لحكم المشروعية في الظروف العادية اختلافاً
جذرياً. (31)
وان النظام القانوني الاستثنائي
للضرورة لا يمكن اعتباره خارجاً عن المشروعية لتقيده بالقواعد الدستورية وهي أهم
وأعلى مصادر المشروعية ولا يجوز مخالفتها له على أي نحو شأنها في ذلك شأن القواعد
العادية حيث إن الأحكام الاستثنائية التي تخلقها نظرية الظروف الاستثنائية تشكل
نظاماً قانونياً يستقل في بنائه عن المشروعية العادية ولكن في الوقت ذاته يشاركه
في قاعدة أساسية هي قاعدة دستورية حيث يمثل الدستور بقواعده المصدر الشكلي للقواعد
العادية والاستثنائية على حد سواء. (32)
إن إجراءات الضرورة تضل مقيدة بالقيود الدستورية
والضمانات المقررة في قواعد الدستور ولا
تملك السلطة القائمة على حالة الضرورة التحلل من هذه القيود بدعوى الضرورة أو
الظروف الاستثنائية. وتخلق نظرية الظروف الاستثنائية أحكاماً استثنائية يكون لها
الأولوية في التطبيق إلى جوار قواعد المشروعية العادية وهو ما يعني أن اثر هذه
النظرية لا يقتصر على تفسير النصوص القانونية تفسيراً موسعاً لأحكام الضرورة وان
كانت استثناءاً من قواعد المشروعية العادية وهي لا تعتبر استثناءاً من
الدستور وإنما استثناء من النصوص
التشريعية وان نظرية الضرورة لا تعتبر خروجاً على مبدأ المشروعية لان مصدرها
القانوني هو الدستور المقنن لها.وتقيدها بسائر القواعد الدستورية وهنا يبقى اثر إجراءات
الضرورة محدوداً بالمجالين التشريعي واللوائح دون أن يمتد إلى المساس بالقواعد
الدستورية (33) غير أن هناك اتجاهاً فقهياً يخالف هذا الاتجاه ويرى أن
القواعد الدستورية ليست بمنأى عن المساس سواء بالإيقاف أو التعديل وعلى هذا الأساس
فان هناك من يقرر بان نظرية الضرورة تجيز للسلطة التنفيذية أن تعمد إلى تعطيل
الحياة النيابية أو تعديل الدستور من غير إتباع الأساليب والإجراءات الدستورية.
(34)
ويؤكد أصحاب هذا الاتجاه بان الأحكام الدستورية والتشريعية يجب أن تخضع أمام
الضرورات العليا لسلامة الدولة فيباح في الظروف الاستثنائية لبعض السلطات أن تخرج
عن المبادئ العامة وهذه هي نظرية الضرورة (35) وتأكيداً لذلك فقد ذهب
البعض إلى أن الدساتير قد أعطت الحكومة الحق بإيقاف الدستور أو تعطيله أو مخالفة
نصوصه في بعض الأحوال الاستثنائية لصيانة الأمن ومصالح الدولة الكبرى.(36)
ونحن
نؤيد الرأي الذي يذهب إلى أن إجراءات الضرورة تمتد إلى المساس بالقواعد الدستورية
أي أن القواعد الدستورية ليست بمنأى عن المساس في حالة الظروف الاستثنائية إذا كان
الحفاظ على هذه القواعد يتعارض مع واجبات الدفاع عن مصالح الدولة العليا المهددة
بالانتقاص أو الهلاك وذلك لأنه ليس من المنطقي التضحية بالمصالح الدولة العليا من
اجل الحفاظ على النصوص الدستورية على أن يكون مؤقتاً لفترة لازمة ومتعلقاً
بموضوعها.
الهوامش:
(24) د.خالد رشيد
الدليمي، مصدر سابق، ص 42.
(25) د.احمد مدحت،
نظرية الظروف الاستثنائية، بلا مكان ولا سنة نشر، ص 55.
(26) د. وجدي ثابت
غربال، مصدر سابق، ص 108.
(27) د. يحيى الجمل،
مصدر سابق، ص 48 وما بعدها.
(28)- د. سليمان
الطماوي، النظرية العامة للقرارات الإدارية، ط 4،
دار الفكر العربي، القاهرة، 1976،
ص 123.
(29) د. وجدي ثابت
غربال، مصدر سابق، ص 109وما بعدها.
(30)- د. عبد الغني
بسيوني، ولايات القضاء الإداري على أعمال الإدارة، منشأة المعارف العامة، 1983، ص
243.
(31) د. وجدي ثابت
غربال، مصدر سابق، ص 79.
(32) نفس المصدر
السابق، ص 80 وما بعدها.
(33) نفس المصدر
السابق، ص 82 و 82.
(34) د. عبد الحميد
المتولي، الوجيز في النظريات والأنظمة السياسية ومبادئها الدستورية، ط1، دار
المعارف، مصر، 58 19– 1959، ص226.
(35)- د. محمد حلمي،
المبادئ الدستورية العامة، بلا مكان ولا سنة نشر،
ص 87.
(36) د. وحيد رأفت،
القانون الدستوري، القاهرة، 1987، ص 59.
تعليقات: 0
إرسال تعليق