-->

نظرية الظروف الاستثنائية في الدستور الفرنسي (6)

المبحث الثالث

السلطة التشريعية لرئيس الدولة في الظروف الاستثنائية

            تتعرض الدولة لظروف استثنائية خاصة ولا يمكن مواجهتها إلا بإجراء استثنائي مقابل يتمثل في النصوص الدستورية المتعلقة بمثل هذه الأزمات وان مثل هذه النصوص ذات تأثير على مظاهر الحريات العامة وضمانات تلك الحرية وبهذا الصدد خرج دستور الجمهورية الخامسة على التقاليد الدستورية التي حرص المشرع الدستوري الفرنسي أن يتمسك بها عند إعداد الدساتير فلقد تضمن دستور 1958 نصاً معالجاً للظروف الاستثنائية وهو المادة 16 منه التي تخول رئيس الجمهورية سلطة اتخاذ الإجراءات التي تتطلبها هذه الظروف، وقد كان وراء هذه المادة الجنرال ديغول لأنه أراد أن يكون رئيس الدولة في قمة النظام السياسي وهي الفكرة التي سبق له إن أشار إليها في خطابه الذي ألقاه سنة 1946 والمعروف باسم خطاب بايو وتتلخص هذه الفكرة بأنه يجب على رئيس الجمهورية عند إحاطة المخاطر بالوطن أن يكفل استقلاله وان يؤمن تنفيذ المعاهدات المبرمة مع فرنسا(39) وقد تأثرت دساتير  بعض الأقطار العربية بالمادة 16 من الدستور الفرنسي ومنها الدساتير العراقية حيث أشارت إلى ذلك المادة 51 من دستور 29 نيسان 1962 وكذا الحال في  دستور عام 1970 ودستور سنة 2005، ومن الدساتير العربية التي أخذت بحالة الأزمات الخاصة دستور 1971 المصري بموجب المادة 74 منه وسوف يتم تقسيم هذا المبحث إلى ثلاثة مطالب نتكلم فيها عن  شروط تطبيق نظرية الظروف الاستثنائية حيث نخصص الأول لهذه الشروط في الدستور الفرنسي والثاني لما يتطلبه الدستور المصري في الخصوص والثالث لتلك الواردة في  الدستور العراقي وكما يلي :ـ

المطلب الأول

 شروط تطبيق نظرية الظروف الاستثنائية في الدستور الفرنسي

             تنص المادة 16 من الدستور الفرنسي لسنة 1958على انه { إذا أصبحت مؤسسات الجمهورية أو استقلال الأمة أو سلامة أراضيها أو تنفيذ تعهداتها الدولية مهددة بخطر جسيم حال ترتب عليه توقف السير المنتظم لسلطات المادة الدستورية كان لرئيس الجمهورية أن يتخذ من الإجراءات ما تتطلبه هذه الظروف بعد استشارة كل من رئيس الوزراء ورئيس الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ والمجلس الدستوري ويجب أن يكون الغرض من الإجراءات التي يتخذها رئيس الجمهورية أن يؤمن للسلطات الدستورية في اقل مدة ممكنة  الوسائل الفعالة لانجاز مهام وظائفها على أن يأخذ رأي المجلس الدستوري حيال هذه الإجراءات وفي هذه الظروف يجتمع البرلمان بقوة القانون ولا يجوز لرئيس الجمهورية أن يحل الجمعية الوطنية خلال ممارسته لهذه السلطات الاستثنائية } ومن هنا فإن هذه المادة تتضمن نوعين من الشروط لابد من توافرها معاً ليتسنى تطبيقها، الأولى موضوعية والثانية شكلية نفصلها في أدناه :ـ  

أولاً :- الشروط الموضوعية : -

وتشمل الشروط التالية :ـ

أ- أن يكون هناك خطر جسيم وحال :ـ
تتطلب المادة 16 أن تتعرض مؤسسات الجمهورية أو استقلال الأمة أو سلامة أراضيها أو تنفيذ تعهداتها الدولية لخطر جسيم وحال لكي يستطيع رئيس الجمهورية أن يستخدم هذه المادة وهذا الخطر قد يكون داخلياً أو خارجياً غير أن شرط الخطر الجسيم الحال يتسم بالعمومية وقد اختلف الفقه في تحديد جسامة الخطر فيذهب بعضهم إلى القول بان الخطر الجسيم هو الذي من شأنه أن يحدث ضرراً لا يمكن إصلاحه أو لا يصلح إلا بتضحيات كبيرة تذهب إلى رأي آخر إلى أن الخطر الجسيم هو الخطر غير المألوف أي الخطر الذي يخرج عن إطار المخاطر المتوقعة كما انه خطر كبير من حيث المدى (40).


تتطلب المادة 16 أن تتعرض مؤسسات الجمهورية أو استقلال الأمة أو سلامة أراضيها أو تنفيذ تعهداتها الدولية لخطر جسيم وحال لكي يستطيع رئيس الجمهورية أن يستخدم هذه المادة وهذا الخطر قد يكون داخلياً أو خارجياً غير أن شرط الخطر الجسيم الحال يتسم بالعمومية وقد اختلف الفقه في تحديد جسامة الخطر فيذهب بعضهم إلى القول بان الخطر الجسيم هو الذي من شأنه أن يحدث ضرراً لا يمكن إصلاحه أو لا يصلح إلا بتضحيات كبيرة تذهب إلى رأي آخر إلى أن الخطر الجسيم هو الخطر غير المألوف أي الخطر الذي يخرج عن إطار المخاطر المتوقعة كما انه خطر كبير من حيث المدى (40).

          كما يصعب تحديد الوقت الذي تصبح فيه مؤسسات الجمهورية أو  استقلال الأمة أو سلامة أراضيها أو تنفيذ تعهداتها الدولية مهددة بمثل هذا الخطر أي يجب أن يكون الخطر حالاً وعلى هذا فان الخطر المستقبل خطر محتمل الوقوع وليس من قبل الخطر الحال وكذلك لا يكفي أن يكون الخطر قد وقع فعلاً لان الخطر الذي وقع وانتهت أثاره ليس من قبيل الخطر الحال.

ب- أن يترتب على الخطر توقف السير المنتظم لسلطات العامة الدستورية:ـ  


 
يذهب غالبية الفقه الفرنسي إلى الاكتفاء بتوقف السير المنتظم لهذه السلطات بمعنى انه ليس من الضروري أن يكون البرلمان والحكومة والسلطة القضائية في حالة لا تمكنها من أداء وظائفها بل يكفي أن يتعذر عليها مباشرة هذه الوظائف بصورة عادية طبيعية وهو أمر متروك لتقدير رئيس الجمهورية (41) إذ أن هذه السلطة لم تمنح لرئيس الجمهورية إلا ليحول دون انهيار الدولة بسبب الخطر العاجل هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فان المادة 16 تنص على أن يجتمع البرلمان بقوة القانون حين يلجأ رئيس الجمهورية إلى تطبيقها مما يفيد بان هذه السلطة الدستورية العامة لم تتوقف تماماً عن مباشرة وظيفتها وانه في مقدورها أن تمارس عملها فليس من المعقول أن يطلب رئيس الجمهورية الانتظار إلى أن تصاب بالشلل الكامل السلطات العامة الدستورية حتى يستطيع أن يستخدم السلطة الاستثنائية التي تقررها له هذه المادة (42) والجدير بالذكر بأنه على اثر تمرد الجيش الفرنسي المرابط في الجزائر في 21/نيسان /1961 اصدر الجنرال ديغول وبتاريخ 30 نيسان قراراً بتطبيق المادة 16 فأثار بذلك جدلاً فقهياً حول مدى توافر الشروط الموضوعية المشار إليها أعلاه في ذلك التاريخ فذهب بعض الشُراح إلى أن احد هذه الشروط لم يتحقق استناداً إلى انه في هذا التاريخ لم يكن السير المنتظم للسلطات العامة الدستورية متوقفاً إذا لم يقم أي عائق أمام اجتماع مجلس الوزراء والبرلمان لمجلس وعلى خلاف هذا الرأي ذهب فريق آخر من الشُراح إلى أن شروط تطبيق المادة 16 كانت متوافرة في 30 نيسان 1961 حيث وجد في هذا التاريخ خطر عاجل يهدد مؤسسات الدولة.

ثانياً:- الشروط الشكلية :

تلزم المادة 16 رئيس الجمهورية أن يستشير مقدماً وقبل أن يضعها موضع التطبيق كل من رئيس الوزراء – رئيس الجمعية الوطنية – ومجلس الشيوخ والمجلس الدستوري والرأي الذي تشير به هذه الشخصيات والهيئات استشاري غير ملزم فلرئيس الجمهورية السلطة والحرية في قبول الرأي أو رفضه (43) واستناداً إلى القانون الأساسي بشان القواعد المتضمنة لسير العمل بالمجلس الدستوري يشترط أن يكون رأي المجلس فيما يتعلق بتوافر شروط بتطبيق المادة 16 مسبباً وان يُنشر وإذا أخذنا بنظر الاعتبار القوة الهائلة التي يتمتع بها الرأي العام في فرنسا فان رئيس الجمهورية يرتكب مخاطرة شديدة إذا أعلن تطبيق المادة 16 رغم انتهاء المجلس الدستوري إلى عدم توافر شروط تطبيقها والأمر يكون العكس من ذلك إذا لم يطبق رئيس الجمهورية المادة 16 بعد أن رأى المجلس الدستوري توافر شروط تطبيقها اذ أن نشر هذا الرأي يدعم موقف رئيس الجمهورية في مواجهة الرأي العام الذي ينفر عادة من تطبيق أي نظام استثنائي بحكم ما يتضمنه من تقييد للحريات والحقوق العامة. (44) هذا بالإضافة إلى أن المادة ذاتها تشترط أن يوجه رئيس الجمهورية خطاباً إلى الأمة يخبرها بقراره تطبيق المادة 16 وان المقصود بهذا الإجراء الشكلي أن يوضح رئيس الجمهورية للرأي العام الأسباب التي دفعته لتطبيق المادة 16 ليحظى بتأييد الشعب له بالقرار الخطير الذي اتخذه.

الهوامش :

(39) د. احمد مدحت، مصدر سابق، ص 57.
(40) د. يحيى الجمل، مصدر سابق، ص 128.
(41)- د. احمد مدحت، مصدر سابق، ص 70.
(42) د. كاظم الجنابي، مصدر سابق، ص 180 وما بعدها.
(43) نفس المصدر السابق، ص 183.
(44) نفس المصدر السابق، ص 183.


جديد قسم : French constitution

إرسال تعليق