بحث الدولة الصغيرة : القدرة والدور*
يدل واقع المجتمع الدولي هذه الأيام على أن
"الدول الصغيرة" أصبحت تمثل أغلبية أعضاء هذا المجتمع، خاصة بعد الحرب
العالمية الثانية حيث كثر عددها، بسبب تعمّق موجات حركات التحرر الوطني. أما بعد
انتهاء الحرب الباردة فقد شهدت هذه الفترة ميلاد أعداد أخرى من الدول الصغيرة.
ويتوقع المراقبون تزايد هذا العدد نتيجة للتمزقات التي يمكن أن تقع في بعض الدول
الكبيرة التي بدأت تتعرض لهزات متتالية، إما على شكل انفصالات داخليّة كما هو مرشح
للحدوث في العراق وليبيا واليمن، وكما حدث فعلاً في السودان، وإما بسبب تغيّر
الحقائق الدولية خاصة بعد تفكك الاتحاد السوفياتي ودخول النظام العالمي في مرحلة
جديدة متغيرة المعالم حين تبدلت الثوابت. ولعل أهم هذه التعديلات هو تفرد الولايات
المتحدة الأمريكية بالقدرة على السيطرة على الشؤون الدولية في مختلف المجالات؛
السياسية والأمنية والاقتصادّية. وقد أدّى ذلك إلى وقوع خلل ملموس في التوازن
الدولي الدقيق.
وهنا
لا بد من الالتفات إلى التبدل في الحقائق الاقتصادّية الدولية ابتداءً من انهيار
نظام "بريتون وودز" لأسعار الصرف الثابتة، والتحوّل إلى نظام أسعار
الصرف العائمة الذي تمت المصادقة عليه في مؤتمر صندوق النقد في جامايكا عام 1986م،
وذلك في ظل الضغوط التي تعرّضت لها الولايات المتحدة الأمريكية من قبل الحلفاء في
أوائل السبعينيّات من القرن الماضي، حيث أدّت هذه التبدلات إلى خلق تفاوت كبير في
مفهوم حجوم الدول.
وحتى
يمكن الإحاطة بموضوع البحث، فإن الدراسة قد أفردت مبحثاً خاصاً تحدثت فيه عن
مجموعة المفاهيم التي ستقوم عليها المقاربة كلها، ومن ذلك مفهوم الدولة ومفهوم
القوة في العلاقات الدولية ومفهوم الدور. كما رأى الباحث أنه لا بد من الاتفاق على
تعريف "الدولة الصغيرة"، وعلى محددات هذه الدولة وبالتالي التفريق بينها
وبين "الدولة الكبيرة"، إذ إن اجتهادات مختلفة ومتعددة قد اعتمدت في
مقاربتها لهذا التعريف، ولكنها ارتكزت، في المجمل، على مكوّنات المساحة وعدد
السكان والموارد الطبيعية والموقع الجغرافي والفاعليّة السياسية والقوة العسكرية
والمستوى الإدراكي للمواطنين بأنهم في دولة يجب أن تعتمد على الآخرين للحصول على
أمنها. ولو أخذنا النموذج الأوروبي لوجدنا أن هناك تفاوتاً في هذا النموذج بين دول
صغيرة وأخرى كبيرة. لذلك فقد استند التمييز بين الدول في أوروبا على مدى
"حماية" الدولة نفسها، ولكن في السياق الأوروبي فقط.
أما
في الشرق فقد رأينا أن الدولة الصغيرة قد اعتمدت، في معظم الأحيان، لإثبات ذاتها،
على أمرين : أولهما قدرتها الاقتصادية ،وثانيهما الاحتماء بدول كبرى هي، بالضرورة،
دول من خارج المنطقة، وبشكل أساسي الولايات المتحدة الأمريكية. بينما اعتمدت
اليابان على قدرتها الاقتصادية والتكنولوجيّة كي تغدو دولة كبيرة رغم صغر مساحتها
وضعفها العسكري بعد استسلامها في الحرب العالمية الثانية.
أما
"الدولة الصغيرة" ذات القدرات المحددة، فإنا نجدها واضحة في أمريكا
الوسطى والجنوبية وفي أفريقيا وفي الشرق الأوسط، حيث تشيع هناك ظواهر العجز
السياسي والاقتصادي. وجميع هذه الدول لم تجد مخرجاً لعجزها إلا مع ظهور الأمم
المتحدة حيث تمتعت (هذه الدول) بحق المساواة القانونية التي فرضتها قواعد القانون
الدولي، وما خلفته الأحلاف العسكرية والأمنية والاقتصادية.و في هذا البحث سيكون التركيز في جوهره على المفهوم العام للدولة الصغيرة، ومدى تقبّلها للقيم والمحددات التي أغفلها المجتمع الدولي عندما تحدث عن تصنيف الدول بين صغيرة وكبيرة.
محتويات :
المبحث الأول: الإطار النظري.
المطلب الأول: مفهوم الدولة.
المطلب الثاني: مفهوم القوة في العلاقات الدولية.
المطلب الثالث: مفهوم الدور.
المبحث الثاني: الدولة الصغيرة.
المطلب الأول: مفهوم الدولة الصغيرة.
المطلب الثاني: تعريف الدولة الصغيرة.
المبحث الثالث: المعايير الدولية لتصنيف الدولة الصغيرة.
المطلب الأول: المعايير الاقتصادية.
المطلب الثاني: المعايير السياسية والاجتماعية.
المطلب الثالث: معيار التأثير الدولي.
المطلب الرابع: المعيار الأمني.
الخاتمة.
* مادة البحث منقوله عن دراسة بذات العنوان
لـ أ.د عمر الحضرمي كلية العلوم السياسية، الجامعة الأردنية.
لـ أ.د عمر الحضرمي كلية العلوم السياسية، الجامعة الأردنية.
تعليقات: 0
إرسال تعليق