-->

3- الدور الاستراتيجي لإيران في منطقة الخليج العربي : اولاً الدور السياسي .


المبحث الثاني :
الاستراتيجية الايرانية في منطقة الخليج العربي

اولاً الدور السياسي : 


                                   في البداية لابد من توضيح مفهوم الاستراتيجية ( Strategie) وهو مصطلح يوناني استخدم لاول مرة في فرنسا ويعني فن الاشياء او الخطط العامة ثم اصبح يعني فن الحرب وقد عرف القائد الفرنسي ( نابليون) الاستراتيجية بانها ( تعني الاستعداد للحرب قبل القيام باي مبادرة عسكرية )(28) ، ولها عدة اشكال منها الاستراتيجية العسكرية والاقتصادية والسياسية ، اما في الجيوبولوتيك فان الاستراتيجية تعبر عن الصراعات الدولية المرتبطة بمعطيات جغرافية ، وذلك لان الاستراتيجية في معناها الجغرافي هي النمط الاقليمي للـصراع بـين القوى العالمية (29) .
                                   جدير بالذكر ان مفاهيم الاستراتيجية وعلاقتها بالجيوبولوتيك تقود الى دراسة مفهوم    ( الامن القومي ) باعتباره ( مجموعة من التدابير والمجالات الخاصة بحماية المجال الاقليمي للدولة الذي يشمل بالاضافة الى الارض واعتباراتها الجيوبولوتيكية ، الثروات الاقتصادية ، والمائية والاجتماعية والسياسية داخل الكيان الاقليمي المحدد) (30) .
                                   من هنا جاء توجه البحث نحو دراسة الاستراتيجية الايرانية في منطقة الخليج العربي باعتباره جزء حيوي من ( الامن القومي الإيراني ) لاسيما وان الخليج العربي يشغل اهمية استراتيجية وجيوبولوتيكية قصوى في الحسابات الإقليمية والدولية ، كونه اكبر حوض نفطي في العالم بانتاجه واحتياطيه وهو الان يعيش حالة من الصراع على النفوذ بين جبهتين الاولى الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها والثانية ايران ، وهذا الصراع اخذ عدة أشكال منها الصراع السياسي والاقتصادي وقد يتطور الى العسكري .
                                   ان مسالة التوازن الإقليمي في منطقة الخليج العربي احد ابرز القضايا الخلافية بين طهران وواشنطن وذلك للتباين الواضح في رؤى الدولتين حول امن الخليج ومقومات استقراره ، اذ تجزم الولايات المتحدة ( ان ايران تمثل تهديدا مباشرا لمنطقة الخليج العربي ) لذلك فيتحتم عليها التدخل لحماية امن هذا الخليج بينما كان الموقف الإيراني يتمحور حول ( ان امن الخليج مسؤولية تقع على عاتق الدول المتشاطئة عليه لاسيما وإن ايران تملك ساحل طويل على الخليج العربي ) (31).
   ومن جانب اخر ترفض ايران أي وجود اجنبي في مياه هذا الخليج ، ويقصد بالوجود الاجنبي في هذا المقام ( التواجد الاستراتيجي العسكري او اللوجستي لاي قوى غير خليجية سواء كانت غربية اجنبية او حتى عربية لا تنتمي الى الخليج بشكل مباشر) ، وقد اكد هذا التوجه (يحيى رحيم صفوي ) القائد العام للحرس الثوري الايراني في كلمة له امام رجال القوة البحرية الايرانية اذ جدد رفض ايران لاي وجود اجنبي في هذه المنطقة التي تشكل الشريان الاقتصادي الحيوي في العالم واتهم واشنطن بالسعي الى تطبيق اهداف استراتيجية بعيدة المدى مضمونها الهيمنة على الشرق الاوسط واسيا الوسطى والقوقاز من خلال احكام السيطرة على الخليج العربي (32) .

وفي ظل هذه التفاعلات السياسية والجيوبولوتيكية الدائرة في منطقة الخليج العربي بدات ايران في تطبيق استراتيجيتها الخاصة بالخليج العربي من خلال مجموعة ادوار عكست سياستها الخارجية وهذه الادوار هي :

اولا : الدور السياسي
تشغل ايران مكانة بارزة في المعادلة الاقليمية والدولية نظرا لاهمية موقعها الاستراتيجي بوصفها نقطة صراع بين القوى العظمى وقد شغلت حيزا كبيرا في الافكار والنظريات الجيوبولوتيكية الاستراتيجية الدولية ، اذ تقع ايران في منطقة الهلال الخارجي (Lnternal Crescent theory) في نظرية قلب الارض (heart land) التي وضعها ( هالفورد ماكندر ) ، اما (سبايكمان) صاحب نظرية الاطراف فقد اعطى اهمية لمنطقة الساحل التي تتماشى مع الهلال الخارجي الذي حدده ماكندر     وقال ( ان من يسيطر على مناطق الساحل يسيطر على مناطق الظهير وبالتالي السيطرة على قلب العالم ) (33).
وهذا يبين اهمية سواحل الخليج العربي وخليج عمان وبحر العرب  وبالتالي اهمية منطقة الظهير الايرانية مما جعلها منطقة صراع بين الدول العظمى عبر التاريخ مما انعكس على السياسة الخارجية لها اتجاه الدول المجاورة .
وعلى صعيد العلاقات السياسية الايرانية – العربية ( الخليجية) فانها مرت بمراحل متعددة وكل مرحلة لها صفاتها وعواملها الخاصة ، اذ يكشف لنا التاريخ ان علاقات ايران مع شركائها في الخليج اتصفت بالتوتر في عصر الشاه ( محمد رضا بهلوي ) عام 1970 اذ اعلن الشاه في ( 16/ شباط /1971) ( ان بلاده ستلجا الى احتلال الجزر الاماراتية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وابو موسى بالقوة وقبل انسحاب بريطانيا من الخليج )(34) وبعد العديد من المفاوضات والمواقف قامت ايران باحتلال الجزر الثلاث في صباح يوم الثلاثاء (30/11/1971) وبمشاركة كاملة من القوات العسكرية الايرانية ثم قامت بترحيل سكانها العرب الى راس الخيمة (35) .

ان هذا الاحتلال للجزر العربية ادى الى احتجاج رسمي وشعبي في منطقة الخليج خاصة والوطن العربي عامة ، فضلا عن توتر العلاقات السياسية والاقتصادية العربية الإيرانية .
واستمر الحال بعد سقوط نظام الشاه عام (1979) ومجئ النظام الإسلامي بقيادة الإمام الخميني الذي لم يعلن صراحة انه سيعيد الجزر إلى دولة الأمارات ،ثم ازداد الوضع سوءا بعد اندلاع الحرب العراقية الإيرانية في عام (1980) لتقطع أي بادرة علاقات سياسية واقتصادية بين الدول العربية وإيران .
جدير بالذكر ان احد أسباب اندلاع هذه الحرب هو تنصل النظام العراقي السابق ( حكومة صدام حسين) عن اتفاقية الجزائر عام 1975 التي عكست حالة من الضعف والغباء السياسي من قبل النظام العراقي في زمن احمد حسن البكر الذي فرط في ارض ومياه عراقية صرفة سمحت لإيران باحتلال الضفة الشرقية لشط العرب وجزء من إقليم الاحواز الغني بالنفط ،وبعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية في (8/8/1988) جاءت صفحة جديدة من العلاقات العربية الإيرانية تمثلت بحقبة الانفتاح الإيراني بعد تولي هاشمي رفسنجاني منصب الرئيس في إيران عام (1989) اذ اتسمت مدة حكمه بالانفتاح في علاقة ايران السياسية مع دول الجوار الجغرافي (36) .
وفي أعقاب اجتياح صدام حسين للكويت في (2/آب/1990) اتخذت إيران موقفا حازما برفضها هذا الاحتلال مما كان له دور كبير في تنشيط حركة العلاقات الإيرانية الخليجية وتفعيلها لاسيما بعد حرب الخليج الثانية عام (1991) اذ شهدت العلاقات الإيرانية تقارب بين الكويت والبحرين والأمارات و(السعودية) والتي زارها وزير الخارجية الإيراني عام (1991) لغرض تحسين العلاقات بين إيران ودول الخليج العربي (37) .

لكن يبقى التواجد العسكري ( الامريكي البريطاني ) في منطقة الخليج العربي حاجز امام تقدم العلاقات الايرانية - العربية بل كان له تداعيات كبيرة على مجمل العلاقات الدولية والاقليمية التي تربط بين دول الخليج والدول المجاورة لاسيما في القضايا السياسية والعسكرية والامنية ومستقبل علاقاتها الاستراتيجية ، اذ ان ايران احست بانها مستهدفة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها وبالتالي فان تواجد هذه القوات بموافقة عربية ( خليجية) وبدعم لوجستي غير محدود جعل ايران  حسب راي الباحث تستنتج ( ان هناك جبهة واحدة تهدد امنها واستقرارها تتزعمها الولايات المتحدة وتضم دول الغرب والخليج العربي ، لا سيما وان الولايات المتحدة  لعبت دور التضخيم الاعلامي تجاه ايران والدول العربية لغرض توسيع الهوة وخلق حالة من العداء المتجذر تكون هي المستفيد الاول والاخير منه ) ، اذ انها أقنعت الدول العربية بفكرة مفادها ان رحيل قوات التحالف ( الانجلو أمريكي ) من الخليج يعني بدء مرحلة احتلال إيراني واسع النطاق للارض العربية ،مستفيدة من العداء التاريخي بين العرب وايران، لاسيما وان الاخيرة أصبحت قوة نووية لا تضاهيها قوة في المنطقة ، مما يعني ان الدول العربية سوف تطلب من قوات التحالف البقاء في الخليج وفق اتفاقيات عسكرية مشتركة الامر الذي يبرر بقاء هذه القوات المحتلة في المياه العربية وهذا الامر يزيد من التازم في علاقات ايران مع دول الخليج . 

جديد قسم : Saudi Arabia

إرسال تعليق