-->
دولة بني أمية.

من خلال حوار مع صديق قال لي أنها كانت دولة عربية اسلامية وهي الدولة الوحيدة التي اتصفت بهذا الوصف، هل ترى ان الدولة الاموية ظُلمت من قبل المؤرخين والمستشرقين ومتعلمي العصر الحديث.؟؟؟؟؟)) وإشارة إلى بعض ما ينشر عن التاريخ الإسلامي بشكل عام , والدولة الأموية بشكل خاصّ , أؤكد بأن الإجابة على ذلك يحتاج إلى مجلدات , ولكن ما يدرك كلّه لا يترك جلّه , وتقديم القليل الميسور أفضل من العدم , فأتلطّف بلفت النظر للأمور التالية:

1. عندما كنت طالبا وأطالع كتب علم الكلام وأصول الدين لاحظت أنّ المعتزلة يحاولون وضع قانون أو دستور يخضع له الله _ سبحانه وتعالى _ ومن ذلك أنّهم أوجبوا عليه سبحانه أنّه يفعل الأصلح , ولدى التدقيق في ذلك الطرح يتبين أنّ القوم دعاة عدل فيحاولون أن يخاطبوا حكام وقتهم من خلال مثل هذا الطرح حيث أنهم لا يستطيعون مواجهتهم بمشروعهم السياسي , وقد تكررت هذه الملاحظة من خلال طرح بعض دعاة النهضة من المعاصرين من علمانيين وإسلاميين حيث يصبّون جام غضبهم على قدامى السلاطين , ويتفننون في بيان فسادهم وظلمهم , وما ذلك إلا تنفيسا عمّا في نفوسهم تجاه فساد وظلم الحكام الحاليين الذين لا يستطيعون انتقادهم ....... فهذا ما لاح لي وقد أكون مخطئا في ملاحظتي , وإن كنت لا أنكر أنّ بعضهم ينطلق من عداء وبغض للإسلام وكلّ ما يمت له بصلة , ومن مؤشرات بؤس هذا الصنف أنّهم يهاجمون جميع رموز دول الإسلام القديمة ويشككون فيهم بدعوى أنّهم ظلمة , ولا يمنعهم ذلك من التسبيح بحمد رويبضات هذا العصر من صنائع قوى الاستعباد العالمي الذين يسومون الأمّة الخسف ويرهقونها العسف .
2. يعاب على دولة بني أمية أنّها حولت الحكم من شورى إلى مملكة وراثية , وإنها لعمري خطيئة كبرى كان لها أثرها في مسيرة الأمّة الإسلامية , ولكن يجب أن ندرك أن الناس أبناء ظروفهم , وما كانت الدنيا آنذاك تعرف نمطا من الحكم غير نمط الحكم الوراثي , وقد جاء الإسلام بمشروع تقدمي قرر فيه أن السلطة للأمّة تمنحها من تشاء برضاها , وهي مسألة واضحة في أذهان الجيل الأول من كبار الصحابة الكرام ولكن الظروف الاجتماعية , والدسائس الخفية هزمت هذا التيار , وكان بنو أمية من أكثر العرب أهلية لشؤون الحكم فأستثمروا الفرصة , واختطفوا الدولة , وأستطاعوا أخذ التأييد الشعبي لها بأساليب ووسائل منها المشروع ومنها غير المشروع , ولو لم يفعلوا لأختطفها غيرهم ,ولفعل كما فعلوا , والصراع على السلطة كما هو معلوم من الطبائع الفطرية في البشر.
3. يوصف خلفاء بني أمية بأنّهم منحلون ومتهتكون , وهذا أمر مستبعد من عرب أقحاح يتسابقون على المكارم ومعالي الأمور , ومثلهم ستجد لهم من أخلاقهم فضلا عن دينهم ما يعصمهم من هذا التردي , وأسجّل استغرابي مما يوصم به يزيد بن معاوية من صفات تتناقض مع طبائع الأمور فأبناء بناة الدول الذين يبنونها بالحديد والنار لا وقت عندهم للهو والتهتك , ولاسيما أنّ المذكور هو وحيد أبيه , وكان والده يهيئه للخلافة في أوساط صناديد العرب الذين قلّما ينقادون لمتهتك.
4. يعاب عليهم التوسّع بالفتوحات , وأنهم ما قاموا بها نصرة للإسلام ولا بهدف نشره , وهي مسألة تحتاج إلى إعادة تفكير , فالفتح الاستعماري الغاشم عادة ما يزول وتزول آثاره , فما بال تلك الشعوب التي خضعت للفتح الأموي بقيت متمسكة بإسلامها إلى هذه اللحظة؟
5. لاشكّ أن بني أمية أعلوا من شأن العرب , ووضعوا ثقتهم بهم , وهذا أمر برره معاوية بقوله " والله يا معشر العرب لئن لم تقوموا بما جاء به محمد صلى الله عليه و سلم لغيركم من الناس أحرى أن لا يقوم به" , وقد أثبتت التجارب أنّ نظرته كانت صائبة.
6. يعاب عليهم أنّهم قاموا بتزوير بعض الأحاديث , وأسسوا لمذهب الجبري , وهذا أمر ملموس , وهذا كان سياسة منهم للمحافظة على الدولة التي أخرجت العرب من حالة التهميش والتبعية إلى موقع الصدارة , ولست أعيبهم بما فعلوا ولكن العيب فيمن حملوا العلم الشرعي , وسكتوا عن تلك الأباطيل وقرروها باعتبارها جزءا من الدين.
7. أعجب ممن يقول أنّها دولة لا تمت إلى الإسلام بصلة بدليل أنّها أساءت لبعض الصحابة واستخدمت بعض الأشخاص المتهمين , وأتساءل عن دولة تمتد حدودها من الأندلس غربا إلى الصين شرقا بأي قانون كان يحكم قضاتها , وكيف كانت تجبي الأموال , وكيف كانت تنفقها؟؟ أم أنها دولة بدون قضاة ولا قانون؟؟
8. وأتلطف بلفت النظر بأنّ قضايا الحكم ليست بهذه السذاجة والبساطة التي يظنها البعض , فهي أمور معقّدة , ويصعب على كثير من الناس إدراكها.
وختاما فإنني أقتبس ما قاله الصديق الفاضل , الداعية Jamil Abouarafa حيث يقول :
إن العبرة وفهم السنن الكونية واحوال الأمم السابقة والتأسي بالوقائع هو المستفاد من تاريخ الأمم السابقة. بل أن الله تبارك وتعالى ذكر احداثاً جسيمة ومواقف عظيمة لأشخاص في القرآن الكريم دون ذكر أسماءهم أو أحوالهم وإنما المواقف والعبر والدروس المستفادة هي الهدف. فالواجب على الباحث المنصف المخلص والأمة الواعية أن تأخذ العبرة من الأحداث التي جرت وتقييم الوقائع والفترات الزمنية وما جرى فيها ومراجعة الأنظمة والمناهج والأفكار وتحليلها وفق ما جاء به الوحي من الله عز وجل والاستفادة من صالحها بفعله ومن سيئها بالابتعاد عنه واخذ الدروس المستفادة .. والاستعانة بذلك في مشروع نهضة الأمة بالمنهج والأخلاق والاعمال التي نهضت بها الامة الإسلامية في خير قرونها كما وجهها المصطفى صلى الله عليه وسلم .. تاركين أشخاصها لما أفضوا.)) انتهى .

وصدق فيما قال , فالقاعدة في التعامل مع التاريخ تبنى على قوله تعالى " تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ " .

جديد قسم : فلاح اديهم المسلم

إرسال تعليق