سابعاً:
بعض المفاهيم المغلوطة عن الاتصال
(
Communication Misconceptions )
هناك
عدد من المفاهيم المغلوطة عن الاتصال مما يحول دون النظر بجدية إلى كيفية اتصالنا
بالآخرين. فالإنسان لديه توجه طبيعي عندما يجد مشكلات تتعلق بنفسه (كالاتصال) أن يبحث
عن الأخطاء لدى الآخرين دون أن ينظر إلى نفسه. وعندما يعي الواحد منا بوجود هذه
الأفكار المغلوطة وأنها حقيقية فإن الفرصة كبيرة لدراسة الاتصال وتطوير مهاراتنا
الاتصالية وبنائها على أسس سليمة. والآن إلى هذه المفاهيم المغلوطة:
1)
الاتصال
سيحل كافة المشكلات
( communication will solve all problems ) :
يظن
بعض الناس أن الاتصال هو الحل السحري لكل المشكلات. إن كثيراً من رجال الأعمال
والسياسيين والدعاة والمصلحين والمستشارين وغيرهم يظنون أن جمع الأطراف المتخاصمة
مثلاً وإنشاء الاتصال بينهم سيحل المشكلات. ومثال ذلك مشكلة الصراع الإسلامي الإسرائيلي
في فلسطين المحتلة، حيث يظن كثير من السياسيين أن جمع الأطراف ليجلسوا على طاولة المفاوضات
ويناقشوا المشكلة سيكون كافياً لحلها، أو أنه إذا كان هناك خصام بين زوجين فإن
الاتصال سوف يحل الإشكال!
إن
الاتصال هو قيام شخص بعملية إثارة فكرة في ذهن شخص آخر لحل مشكلة، وبناءً على ذلك
فإن نجاح هذه العملية أو إيجادها مشكلة أخرى إنما يعتمد على الفكرة نفسها. ومثال
ذلك أن تقول الأم لخادمتها إنها خادمة سيئة لا تحسن ترتيب أمور البيت، وفي ظنها أن
هذا سيحل مشكلة سوء أداء الخادمة. ترى هل تم بذلك حل هذه المشكلة أم زادها
تعقيداً؟ وهكذا نجد أن الاتصال وحده ليس حلاً للمشكلات دائماً، بل قد يكون سبباً
في إيجاد مشكلات أخرى.
2)
الكثير
من الاتصال أفضل من القليل منه
( more communication is better ) :
كلما
زاد حديث الشخص نظر إليه الناس على أنه قام بأمر إيجابي. الناس ينظرون إلى الذين
يتحدثون أكثر على أنهم أكثر كفاءة وقدرة على كسب الآخرين وأكثر جذباً وقوة وقيادة
من غيرهم. ورغم أن الكثير منا قد لا يعترفون بهذا إلا أن الدراسات والملاحظات ما
تزال تثبت هذا الفهم المغلوط. والسبب أن الناس قد يختلط عليهم الكم والكيف في
الاتصال. مزيد من الاتصال السلبي يعني مزيداً من النتائج السلبية، فالمهم إذن هو
محتوى الاتصال وليس كميته.
3) الاتصال شيء إيجابي دائماً ( communication is always positive):
لو
سألت مائة شخص عن قيمة الاتصال فسيقول لك 99% منهم إنه أمر إيجابي، وهذا شيء شائع
في المجتمعات المعاصرة. لا يمكن أن يقال إن الاتصال إيجابي أو سلبي ابتداءً. إنه
مجرد وسيلة للتعبير والتفاهم من أجل مسايرة الأوضاع والمتغيرات في بيئتنا. يمكننا
أن نأخذ السكين كمثال ، فهي آلة ووسيلة. إنها في يد المجرم وسيلة للشر قد يستخدمها
للقتل، ولكنها أيضاً يمكن أن تكون آلة لتقطيع الطعام لإعداد وجبة شهية. الوسيلة هي
الوسيلة، ولكن الأمر يتعلق بطريقة استخدامها سواء للأمور الحسنة أو الأمور السيئة،
والاتصال مجرد وسيلة لا ينبغي أن تأخذ أكثر من حقها من التقدير.
4) الكلمات التي نستخدمها تحمل معاني
الاتصال
( words
carry meanings ) :
أكبر
فهم مغلوط في الاتصال هو أن المعاني هي في الكلمات فقط. إذا فعلنا ذلك فسنقلِّل من
احتمال نجاحنا في الاتصال. قول الشيء لا يعني أن ذلك مساوٍ للاتصال بشأنه. وبالتالي
فإننا إذا أرسلنا رسالة لفظية نظن أننا قد حملنا المعنى المقصود إلى مستقبل
الرسالة. إن المعاني لا توجد في رؤوسنا، ولكن في رؤوس المستقبلين، وأقصى ما نفعله
هو استثارة هذه المعاني لديهم. قدرتنا على استعمال الكلمات المناسبة إلى جانب
الرموز غير اللفظية كتعبيرات الوجه وحركات الجسم والإشارات والإيماءات هو ما يميز
الاتصال الإنساني. الكلمات ليست هي التي تحمل المعاني، ولكن الناس هم الذين
يحملونها. ولذلك تجد الشيء الواحد يعني أشياء متعددة بعدد الأشخاص الذين يعبرون
عنه.
إن
نجاح الاتصال يعتمد على درجة المعنى المشترك للرموز اللفظية (الكلمات) والرموز غير
اللفظية. الكلمات المستعملة في ثقافة معينة قد تحمل معاني متقاربة، ولكن لا يمكن
أن يتفق اثنان حول معنى واحد تماماً لكل الكلمات لأن لكل شخص خلفيته وخبراته
الخاصة. وينبغي لدى انتقائنا الكلمات في خطابنا للآخرين ( وكذلك الرموز غير اللفظية
) أن نركز على معناها عند المتلقين، وليس كما نظنه نحن.
5) الاتصال قدرة طبيعية ( communication is a natural ability ) :
من
أكثر المفاهيم المغلوطة عن الاتصال أنه قدرة تأتي إلينا طبيعياً " أي تولد
معنا ". ويبدو أثر هذا الفهم المغلوط في ظاهرة ضعف القدرات والمهارات
الاتصالية لدى طلابنا خصوصاً وأفراد مجتمعنا عموماً. ومن عجب أن مدارسنا وجامعاتنا
ومراكزنا التدريبية لا تعير ـ في الجملة ـ هذا الأمر ما يستحق من العناية
والتدريب. قد تحوي مناهجنا مواد كالتعبير والقراءة وأحياناً الخطابة وفن الإلقاء،
ولكن فهم عملية الاتصال يبقى أمراً غائباً. الاتصال مهارة لا تولد معنا، ولكنها
تكتسَب بالتعلم والمران المستمر متى ما كان لدينا القدرات الأساس للاتصال.
------------------------------------------------------------------------------------------------
المدخل إلى الاتصــال الإنســـاني
الدكتور / أحمد بن سيف الدين تركستاني
تعليقات: 0
إرسال تعليق