سادساً:
أغراض الاتصال
(Communication
Purposes)
يحقق
الناس مجموعة من الأغراض ويشبعون عدداً من الاحتياجات من خلال الاتصال، إلى جانب
أن الاتصال بشكل فعال يوفر قدراً من المتعة والرضا عن النفس. وسواء كان الحديث مع
شخص من بلد آخر أو مشاركة في مجموعة نقاش للبحث من حل مشكلة، أو كان محاولة إقناع
الآخرين بعمل شيء معين من خلال خطبة مباشرة؛ فإن نجاح المرء في الاتصال يشعره
بالسعادة والارتياح.
ويتضح
من خلال رصد أغراض الناس من الاتصال أنها تتركز حول تحقيق الذات والحاجات الشخصية
وبناء العلاقات مع الآخرين. ويمكننا تقسيم المجالات الرئيسة لأهداف الناس في
الاتصال إلى أربعة مجالات رئيسة:
1-
الأغراض
المتعلقة بالاستجابة للحاجات الشخصية
( Self Needs Purposes
) :
وتشمل مجموعة من الأغراض على النحو
الآتي:
أ)
البقاء
والحفاظ على الحياة: ( survival )
مهما كنا في مجتمع مستقر ينعم
بالرخاء الاقتصادي فإن حاجتنا إلى الاتصال تتأكد للحفاظ على أبداننا وأرواحنا.
إننا نتصل للحصول على الطعام والمسكن والدواء (عند الحاجة ) وتجنب الأخطار المحدقة
بنا. بل لقد أثبتت الدراسات الحديثة أن الاتصال مهم لصحة الإنسان وأن غيابه يؤثر
سلباً على هذه الصحة. فالسجناء مثلاً يفعلون المستحيل للحديث مع النزلاء الآخرين
لمشاركتهم والتعرف على أساليب التواؤم مع حياة السجن، وكذلك يفعل الجنود في الحرب
ورجال الشرطة في مواجهاتهم مع المجرمين ومخالفي القانون.
إن
بناء العلاقات الشخصية من خلال الاتصال يؤدي إلى الحفاظ على صحة حياة الإنسان، كما
أن غياب الاتصال يؤدي إلى الأمراض البدنية والنفسية بفعل الضغط والقلق والوحدة
والعزلة الاجتماعية.
ب) الحاجة إلى الأمان والشعور بالاطمئنان ( sense of
security )
مهما كانت حاجة الإنسان مادية، فإن حاجاته
الروحية توازيها إن لم يكن أكثر. كل إنسان يحتاج إلى الشعور بالأمن والاستقرار في ذاته وعلى نفسه. إننا
نشعر بحاجتنا إلى تقدير الآخرين وأننا مرغوب فينا من الناس.
وإذا كانت المقولة الشهيرة (ليس بالخبز
وحده يحيا الإنسان) صحيحة فإنها أكثر صحة في مجال الاتصال حيث لا غنى لنا عنه
لإبداء مشاعرنا وعواطفنا وأفكارنا تجاه الآخرين ومعرفة ما يرونه فينا وما يقولونه
عنا.
ج) الحاجة إلى الإقناع ( persuasion )
:
إننا
نتصل من أجل إقناع الآخرين حتى يفكروا ويتصرفوا بالطريقة التي نفكر بها ونتصرف. نهدف
في أحيان كثيرة إلى تغيير آراء الناس ومواقفهم وحضهم على قول شيء أو فعله. خذ
مثلاً أحد أصدقائك حينما يريد إقناعك بتسليفه مبلغاً من المال أو بسفرك معه إلى
أحد البلدان. وفي الاتصال الإقناعي قد يكون هناك قدر من ليِّ الذراع والضغط للحصول
على ما نريد. ويمكننا رؤية ما يريد أصحاب السلع والخدمات التجارية أن يقنعونا به
من خلال الإعلان والدعاية المستمرة لما يبيعون.
د)
ممارسة
القوة والسيطرة على الآخرين ( control ) :
ربما كان هذا الغرض شبيها بالغرض السابق
(الإقناع) إلا أنه يختلف عنه في أننا نريد إخضاع الآخرين لسلطتنا بحيث لا يستطيعون
فعل شيء مخالف. وعادة ما يقوم بهذا النوع من الاتصال الأشخاص الذين يتمتعون بمكانة
اجتماعية أو معرفة أكثر من الآخرين أو أن لديهم أدوات اتصال ليست لدى غيرهم. يستطيع
إنسان يملك معلومة مهمة أن يبتز شخصاً آخر بإفشاء السر أو نشر المعلومة المؤثرة
على حياته وأموره، وقد يريد منه مالاً أو خدمة محددة مقابل عدم نشر المعلومات مما
يعد ممارسة للقوة والسيطرة عليه.
وتمثل
الدعاية ( من خلال السيطرة على المعلومات ووسائل الإعلام ) مثالاً واضحاً لهذا
النوع من الاتصال مثل ما كانت تمارسه ألمانيا النازية أو الاتحاد السوفيتي سابقاً
أو ما تمارسه الولايات المتحدة أو بريطانيا وبعض الدول الغربية اليوم.
هـ ) الإعانة على اتخاذ القرار (
decision-making) :
ينخرط
بعض المتصلين في الاتصال مع الآخرين من أجل البحث عن القرار المناسب تجاه تبني شيء
معين أو سلوك محدد نفكر في القيام به. ما
هي الكلية المناسبة للدراسة ؟ ومن الزوجة المطلوبة للمستقبل ؟ وما الوظيفة المناسبة
؟ أمثلة لما يمكن أن يبحث عنه الشخص باتصاله مع الآخرين حيث يعينونه على الاختيار
الأنسب في هذه المجالات. وفي هذا الصدد نبحث عن المعلومات والآراء ومواقف الآخرين
وردود أفعالهم وعواقب القرارات التي يمكن أن نتخذها.
و ) الحاجة إلى التوكيد ( confirmation
):
قد نتخذ قراراً معيناً، ولكننا لا ندري هل نستمر
في تنفيذه أو نميل إلى التراجع والتوقف. وهذا يعني أن الحاجة قائمة إلى التوكيد
والاستمرار أو عدم التوكيد والانقطاع .
قد
تقرر الانضمام إلى قسم التربية الخاصة للدراسة، ولكن واجهتك تحديات وجدَّت أمور
ومعلومات لم تكن موجودة أثناء اتخاذ القرار. ولذلك تسعى إلى الحصول على مزيد من
المعلومات والآراء والاستشارات في شأن البقاء في القسم أو تغييره من خلال الاتصال.
2- الأغراض المتعلقة بالجوانب
الاجتماعية ( Social Needs Purposes ) :
يشتمل هذا الجزء على مجموعة من الأغراض
على النحو التالي:
أ) التعاون مع الآخرين ( cooperation
) :
هذا المجال يتيح لنا الاتصال بقصد التعاون مع
الآخرين من خلال تكوين مجموعات اجتماعية ننتمي إليها. نحن أفراد في أسر وأعضاء في
مجموعة من زملاء العمل أو الهواية أو الجوار أو الدارسة ... إلخ. إن الاتصال للتعاون
وتلبية احتياجاتنا الاجتماعية والوظيفية هي من أكثر أهداف الاتصال حدوثاً
وأهمية.
ب) الحفاظ على المؤسسات القائمة
والمجتمع ( social maintenance ) :
إننا نتصل من أجل
الحفاظ على الأسرة والحي والقبيلة والشركة أو المؤسسة التي نعمل بها أو ننتمي
إليها. وبقدر ما نحافظ على ذواتنا ونفسياتنا
من الداخل فإننا نسعى (من خلال الاتصال) إلى الاستفادة من الكيانات الاجتماعية
التي توجد في مجتمعاتنا والمؤسسات التي نتعامل معها كالمدارس والجامعات والمستشفيات
والمصارف والأسواق وغيرها مما نحتاج إليه ونحافظ على بقائه لخدمة أهدافنا المشتركة
مع الآخرين.
3 ـ الأغراض المتعلقة بالجوانب
الاقتصادية ( Economic Needs purposes ) :
وفي
هذا الجانب هناك هدفان محددان:
أ)
الحصول على المعلومات ( information
seeking ) :
نحن نتبادل المعلومات والأخبار مع الآخرين بشكل
دائم وآني. إننا نبحث عن المعلومة في كل جانب من جوانب الحياة، وربما كان التصنيف
الاقتصادي لهذا الغرض هو من أجل تحقيق المنافع لنا ودفع المضار عنا . نسأل موظف
الخطوط الجوية عن موعد إقلاع الطائرة، ونستفسر عن مكان بيع الطعام الجيد، وهكذا. كما
أننا نقرأ ونستمع إلى الأخبار في الصحافة والإذاعة ونشاهدها على التلفاز لأننا
نريد أن نعرف ماذا يحصل من حولنا وما يحدث لغيرنا.
ب) فهم العالم من حولنا (
understanding our world ) :
إننا
نتصل من أجل أن نتلمس موقعنا في البيئة من حولنا وفهم العالم الذي نعيش فيه وكيف
سيتفاعل مع أمور أربعة مهمة: ما نحمله من معتقدات، كيف ننظر إلى أنفسنا، طبيعة
علاقاتنا بالآخرين، وما نظنه حقيقة وواقعاً. وهذه الأمور تحدد لنا الخريطة المادية
والاجتماعية لما هو حولنا والعالم الداخلي في نفوسنا. يسأل الطفل الصغير عن مدى
العلاقة الأسرية بينه وبين جدته لأمه، فهو إذن يريد فهم هذه الصلة والقرابة معها
وكيف كانت أمه حلقة الوصل بينه وبين جدته. كما أننا نحاول أن نفهم الطبيعة
الجغرافية للمملكة العربية السعودية وسبب اختلاف درجات الحرارة في بعض مناطقها.
كما أننا نريد أن نفهم أمور ديننا وعلاقتنا بما يحدث في بعض بلاد العالم الإسلامي وواجبنا
نحوها، أو لماذا تنصب دولة إسرائيل لنا العداء وتقتل وتدمر الأفراد والمنازل والممتلكات
في فلسطين ولبنان وغيرها.
4- الأغراض المتعلقة بجوانب التعبير من
النفس
( Self Expressio Needs ) :
هناك
غرض واحد بارز تحت هذا التصنيف وهو أن الناس يقومون بالاتصال بقصد التعبير عن
أمانيهم ورؤيتهم للآخرين بطريقة مبدعة سواء أكان بالكلمات أو بالصور أو الأصوات أو
أي صيغة أخرى. و يشمل هذا كثيراً من الأعمال الفنية
والفنون التعبيرية من الشعر والقصص والرواية والخطابة والرسم والأعمال التشكيلية
والتمثيلية.
كما
يحصل التعبير عن الذات بطريقة لبس ملابس معينة والتصرف بشكل معين يعبر عن التعلق
بشيء أو رأي أو رفضه بالمقابل. ويظهر ذلك لدى الشباب مثلاً في وضع قمصان تكتب
عليها عبارات معينة أو من خلال تقليد موضة سائدة في مكان آخر من العالم.
ومن
خلال التعبير عن النفس قد نحقق في الخيال ما نعجز عنه في الواقع، وقد نعبر عن
آمالنا وأمانينا وإحباطاتنا من خلال هذا المجال الاتصالي الحيوي في حياة الأفراد
والمجتمعات والأمم.
------------------------------------------------------------------------------------------------
المدخل إلى الاتصــال الإنســـاني
الدكتور / أحمد بن سيف الدين تركستاني
هاني محمد محمد علي
ردحذف