-->

4-المدخل إلى الاتصــال الإنســـاني :نماذج الاتصال

                                            
رابعاً: نماذج الاتصال
(Communication Models)
       يمكننا وصف عملية الاتصال باستخدام النماذج التي تصور كيفية حدوث هذه العملية. والنموذج عبارة عن مبسط لعملية الاتصال يعرض على هيئة رسم أو شكل يبين عناصر الاتصال وتسلسلها والعلاقة بينها. والنماذج ذات فائدة كبرى لأنها تصور الموضوع المطروح بطريقة مرتبة توضح أبعاده بشكل مبسط.
       وفي هذا الإطار سنجد أن الباحثين قد طوروا ثلاثة نماذج رئيسة هي على النحو الآتي:
أ) النموذج الخطي أو أحادي الاتجاه ( Linear Model ) :
قبل قرابة ستين عاماً نظر الباحثون إلى الاتصال على أنه أمر يفعله شخص لشخص آخر. وبهذا يشبه الاتصال إعطاء حقنة في الجسد: حيث يقوم المرسل بوضع أفكاره ومشاعره في رسالة، ثم يحقنها من خلال وسيلة معينة (حديث، رسم، كتابة ... إلخ) إلى مستقبل يقوم بنقل رموزها بطريقة تشبه ما أراده المرسل. وإذا ما قدر للرسالة أن تمضي من غير (تشويش) في خط واحد مستقيم فإنه قد كتب لها النجاح.
قد يبدو هذا النموذج يسيراً، ولكنه البداية لفهم عملية الاتصال. ويمكننا رؤية هذا النموذج من خلال الشكل التالي:


شكل -2 نموذج الاتصال أحادي الاتجاه
المصدر بتصرف يسير : ) Adler, Ronald B. and Lawrence B. Rosenfeld and Neil Towne. Interplay: the Process of Interpersonal Communication. Sixth Edition. Harcourt Brace College Publishers. 1995,. P. 9.
 المرسل قد يكون رجلاً أو امرأة، والمستقبل قد يكون أحدهما. وحينما يبدأ بالاتصال يختار رموزاً معينة ( لغة لفظية مثل عبارة السلام عليكم، أو لغة غير لفظية مثل الإشارة باليد للتحية، وقد يكون بهما جميعاً، إضافة إلى ابتسامة من الوجه ). هذه الرموز تمثل الرسالة التي ترسل للمستقبل الذي عليه أن يفك رموز الرسالة (يحللها ويفهمها) ليتحقق الاتصال. لاحظ أن هناك تشويشاً قد يحدث للرسالة، وهذا التشويش يشمل أموراً خارجية كأصوات لعب الأولاد  أو مكيف الهواء أو رائحة الدخان في مكان مزدحم. هذا التشويش سيؤثر على الرسالة بكل تأكيد. ويشمل التشويش أموراً نفسية لكل من المرسل والمستقبل بحسب حاله من الرضا أو الغضب أو الموقع الاجتماعي الذي يفسر الرسالة على أنها من أعلى إلى أسفل أو العكس، وهكذا. ومن أنواع التشويش التشويش العضوي الذي يعني أن هناك عوامل بيولوجية تؤثر على الرسالة، مثل ضعف السمع أو المرض أو التعب البدني، وهكذا. 

ب) النموذج التبادلي ( أو ثنائي الاتجاه ) ( Interactive { Dual } Model
النموذج ذو الاتجاه الواحد لتفسير عملية الاتصال سهل الفهم إلا أنه لا يعكس العملية الاتصالية بدقة. فمن ناحية لا يمكن القول بأن الاتصال يسير في اتجاه واحد (من المرسل إلى المستقبل)؛ إذ يسهل علينا أن نرى أن معظم حالات الاتصال - خاصة في الاتصال بين شخصين أو مجموعة صغيرة من الناس - تسير في اتجاهين. لقد كان النموذج السابق (ذو الاتجاه الواحد) يتجاهل رجع الصدى ورد الفعل من المستقبل تجاه ما يستقبله من رسائل، ثم يقوم بإرسال رسائل، وهكذا يتحول من مستقبل إلى مرسل ثم إلى مستقبل في وقت قصير جداً، بل حتى في الوقت نفسه. يمكن لنا أن نتصور كيف يتفاعل شخص مع خبر عن زواج أحد أصدقائه، حيث يتفاعل المستقبل مع الخبر، وتظهر أسارير الفرح على وجهه حتى قبل إتمام الخبر، ثم يرسل رسالة لفظية مستفسراً عن وقت الزواج، فيأتيه الجواب سريعاً أنه كان ليلة البارحة، فيتحول الفرح إلى نوع من العتاب على عدم معرفته، وهكذا تتداخل الرسائل، ويصبح كل من الطرفين مرسلاً ومستقبلاً في آن واحد. بل حتى خلال استقبال الرسالة يقوم كل منا بتفسير الرسالة والتفكير بشأنها، وهذا ما يفسر اختلاف التفسيرات للرسالة الواحدة بين الناس.
       ومن ناحية أخرى يفترض نموذج الاتجاه الواحد أن كل رسالة يجري ترميزها وفك رموزها، وأن هذه عملية تجري بوعي وعن قصد. ولكن الواقع أن كلاً من المرسل والمستقبل قد يرسلان رسائل دون وعي منهما، فلا يعيان ما يصدر عنهما من رموز غير لفظية كتعبيرات الوجه والإشارات ودرجة الصوت ونحوها، وقد يفوتهما فك الرموز (التفسير) للرسائل التي يرسلها المتحدث أو القائم بالاتصال. ومن هنا يكون من المناسب إبدال مسألة الترميز وفك الرموز بالسلوك الاتصالي الذي يشمل الأفعال القصدية وغير القصدية للاتصال.
                                     

شكل -3  نموذج الاتصال التبادلي (في اتجاهين)
المصدر بتصرف يسيرAdler, Ronald B. and Lawrence B. Rosenfeld and Neil Towne,  Interplay: the Process of Interpersonal Communication. Harcourt Brace College Publishers. 1995, Sixth Edition. P. 11.

و كـذلك: Dimbleby, Richard and Graeme Burton. More Than Words: An Introduction to Communication. Routledge: New York, 1998. P. 34.
       في هذا النموذج يقوم كل من الطرفين (الشخص أ والشخص ب) بالإرسال والاستقبال للرسائل. ولقد عبرنا عن قيامهما بالترميز وفك الرموز بالسلوك الاتصالي حيث يرسل الرسائل بقصد أو بدون قصد، ويفسر الرسائل ويفك رموزها وهو غير منتبه لها, وفي كلا الحالين نجد أن التشويش يصاحب مرحلة إرسال الرسائل واستقبالها مما يؤثر على كفاءة الاتصال وفعاليته.
 
ج) نموذج الاتصال التفاعلي ( Interactive  Model ) :
       نظراً لأن عملية الاتصال معقدة أكثر مما نتصور فإن كلاً من النموذجين السابقين (ذي الاتجاه الواحد وذي الاتجاهين) يقصُر عن التفسير الكامل لهذه العملية. فالاتصال يعتمد على البيئة التي يتم فيها سواء كانت بيئة مادية أو اجتماعية أو ثقافية. كما أنه يعتمد على العوامل النفسية والذاتية لكل من طرفي الاتصال.
       ويحاول نموذج الاتصال التفاعلي أن يشمل كافة عناصر الاتصال الفاعلة كبيئة الاتصال، ورجع الصدى، وما سبق الاتصال، وما جاء بعده من سلوك اتصالي أو غيره. و هذه طبيعة العلاقات الاجتماعية، حيث إنها لا تنتهي، بل ينبني بعضها على بعض، فمدح أبيك لك على عمل قمت به هو نتاج أمور أخرى قمت بها وموقف إيجابي منك، وقد يكون العكس صحيحاً، وهكذا.
الطبيعة التفاعلية للاتصال تشرح لنا طبيعة التأثير المتبادل الذي يحدث عندما نتفاعل مع بعضنا البعض، لأن الاتصال ليس ما يفعله شخص لشخص ولكنه ما يفعله شخص مع شخص، فالاتصال يعتمد على العلاقة مع الطرف الآخر، وكلما كان الطرف الآخر أكثر مهارة في الاتصال كانت فرص النجاح فيه أكبر.
               

 
ويشرح النموذج التالي هذه الطبيعة التفاعلية للاتصال التي تشمل التبادل بين طرفي الاتصال والبيئة الاتصالية
 شكل -4 نموذج الاتصال التفاعلي 
المصدر بتصرف يسير : Dimbleby, Richard and Graeme Burton. More Than Word An Introduction to Communication. Routledge: New York, 1998. P. 35.

------------------------------------------------------------------------------------------------
     المدخل إلى الاتصــال الإنســـاني
الدكتور / أحمد بن سيف الدين تركستاني

جديد قسم : Communication science

إرسال تعليق