-->

4-قوة اللغة الإنجليزية : مستقبل اللغة الإنجليزية .



مستقبل اللغة الإنجليزية

        تلعب اللغة الإنجليزية دورا هاما في عالم الاتصالات والتجارة والأعمال الدولية والشئون الثقافية والاجتماعية. وتهافت الناس صغارا وكبارا، متخصصين وغير متخصصين في جميع أنحاء العالم على تعلم اللغة الإنجليزية. ولكن هل التهافت على تعلم اللغة الإنجليزية ظاهرة مؤقتة؟ وهل سيستمر في المستقبل؟. والواقع انه من الصعب التكهن بما ستؤول إليه اللغة الإنجليزية في المستقبل، خاصة وأن الأبحاث في هذا المجال نادرة جدا. فاستخدام اللغة الإنجليزية في جميع أرجاء العالم نظام معقد يتكون من كثير من العوامل المتفاعلة بطرق تجعل التنبؤ بها صعبا. وفيما يلي بعض المتغيرات والتغيرات التي من الممكن أن تؤثر في مسيرة اللغة الإنجليزية ومكانتها في المستقبل.

(1) رفض اللغة الإنجليزية:

        إن أقل تغير في توازن القوى السياسية والاقتصادية والتكنولوجية أو الثقافية قد يغير من وضع ومكانة اللغات الأخرى، وبذلك تصبح أكثر جاذبية، وتبدأ في احتلال الوظائف التي تقوم بها اللغة الإنجليزية. فالعوامل السياسية قد تجعل مجموعة من الناس داخل دولة ما، أو في شعب دولة بالكامل، أو في مجموعة من الدول معادية للغة الإنجليزية. وهذا الرفض يتعلق بالهوية وباللغة لكونها رمزا هاما للهوية. فالناس لديهم رغبة طبيعية في استخدام لغتهم الأم وفي رؤية اللغة تعيش وتنمو، ولا يتقبلون بصدر رحب أن تفرض عليهم لغة أخرى.  وقد تؤدي الضغوط النابعة من حاجة المجتمع إلى التعبير عن هويته إلى تدمير قدرة اللغة الإنجليزية في القيام بدورها العالمي.

        ولقد أصبحت دول العالم تستشعر الخطر الذي تشكله اللغة الإنجليزية على لغتها القومية وأخذت تصدر القوانين لترسيخ وتأصيل اللغة الأم والحد من استعارة الكلمات الإنجليزية. فعلى سبيل المثال، نتيجة لغزو اللغة الإنجليزية للغة الروسية، أصدر مجلس الدوما عام 2002م، قرارا يجعل إتقان اللغة الروسية شرطا للمواطنة، ويعتبر اللغة الروسية هي اللغة الرسمية للدولة ويمنع استخدام الكلمات المستعارة من اللغة الإنجليزية، إذا كانت المقابلات الروسية متوافرة. ولحماية اللغة الفرنسية من تسرب الكلمات اللغة الإنجليزية إليها، وضعت الأكاديمية الفرنسية قانونا يعتبر استخدام أية كلمة إنجليزية لها ما يقابلها من اللغة الفرنسية مخالفة قانونية (حتى ولو كان استخدام الكلمة الإنجليزية أكثر شيوعا من الكلمة الفرنسية).

        ومن ناحية أخرى، نشهد في الوقت الحاضر مولد حقبة جديدة من المعايير التكنولوجية التي تقودها الصين والتي قد تمحق احتكار الشركات الناطقة باللغة الإنجليزية. وهناك احتمال كبير لأن تصبح الملكية الفكرية لهذه التطورات التكنولوجية باللغة الصينية، عوضا عن اللغة الإنجليزية. وهذا سيقلل من احتكار اللغة الإنجليزية للأبحاث الدولية التكنولوجية.

(2) الاتجاهات المناوئة (حالة الولايات المتحدة):

        إن مستقبل اللغة الإنجليزية يرتبط إلى حد كبير بمستقبل الولايات المتحدة. فالقوة التي زودت اللغة الإنجليزية بالوقود في القرن العشرين نبعت من الولايات المتحدة. ففي الولايات المتحدة من الناطقين باللغة الإنجليزية أربعة أضعاف أية دولة أخرى، وحققت الولايات المتحدة في القرن العشرين تقدما تكنولوجيا أكثر من أية دولة أخرى. وهي المسيطرة على الثورة الصناعية الجديدة، وتمارس نفوذا كبيرا على الطريقة التي تنمو بها اللغة الإنجليزية في جميع أنحاء العالم. ويبدو واضحا وجود علاقة وثيقة بين اللغة والقوة. فإذا حدث ما يمكن أن يزعزع القوة العسكرية أو الاقتصادية للولايات المتحدة، فسيكون هناك نتائج حتمية على اللغة الإنجليزية.

        وعلى الرغم من أن لدى الولايات المتحدة أكبر قوة عسكرية في العالم إلا أن هناك عوامل داخلية يمكن أن تهدد وحدة البلاد في المستقبل. فاللغة الإنجليزية هي العامل المهم الذي يحافظ على التفاهم المتبادل والوحدة بين أفراد الشعب الأمريكي في وجه تدفق المهاجرين. فقد زاد عدد السكان بعد عام 1900م ثلاثة أضعاف ما كانوا عليه قبل ذلك. وظهرت مشكلة الصراع بين مطلبي الفهم والهوية الذي نجم عنه "حركة اللغة الإنجليزية كلغة رسمية" لمساعدة المهاجرين على الانصهار في المجتمع وللاستفادة الكاملة من الفرص الاقتصادية والمهنية في الولايات المتحدة.

        ومن أمثلة الصراع بين الهوية واللغة القومية داخل المجتمعات الناطقة باللغة الإنجليزية، محاولات مقاطعة كوبيك في كندا - وهي مقاطعة ناطقة باللغة الفرنسية- الانشقاق عن كندا.

(3) ظهور اللغات الإنجليزية الجديدة:

        لقد خرجت اللغة الإنجليزية عن ملكية بريطانيا منذ أمد بعيد. فعدد المتحدثين باللغة الإنجليزية كلغة أجنبية يفوق عدد الناطقين باللغة الإنجليزية كلغة أولى. وعدد الناطقين باللغة الإنجليزية في الهند وحدها يزيد على عددهم في بريطانيا. وإذا استمرت الجهود في تعليم وتعلم اللغة الإنجليزية على ما هي عليه الآن، سيفوق عدد الناطقين باللغة الإنجليزية كلغة أجنبية على عدد الناطقين بها كلغة أم. وخلال خمسين عاما سيزداد عددهم 50%. حينها سيصبح مفهوم ملكية اللغة الإنجليزية هو المفهوم العالمي.  وبهذا ستكون اللغة الإنجليزية في مهب ريح التغير اللغوي بطرق لا يمكن التنبؤ بها. فلقد أدى انتشار اللغة الإنجليزية حول العالم في السابق إلى ظهور أنواع جديدة من اللغة الإنجليزية في مناطق ترسخت فيها جذور اللغة الإنجليزية. وسيؤدي في المستقبل إلى ظهور أنواع جديدة من اللغة الإنجليزية. فإلى جانب الاختلافات المعروفة بين اللهجتين البريطانية والأمريكية في النطق والإملاء، هناك اختلافات تميز اللغات الإنجليزية المستخدمة في استراليا ونيوزيلندا وكندا وجنوب إفريقيا وجزر الكاريبي وفي ايرلندا واسكتلندا وويلز (داخل بريطانيا)، وهناك خصائص أخرى تتميز بها اللغات الإنجليزية المستخدمة في الهند وباكستان وبنجلاديش وسريلانكا. وهذه اللهجات تعطي الناطقين بها هوية لأنهم يتحدثون اللغة الإنجليزية بلكنة مميزة. أي أن الأنواع العالمية من اللغة الإنجليزية تعبر عن الهويات القومية للمتحدثين بها.

        وتتجلى التغيرات التي طرأت وستطرأ على اللغة الإنجليزية في نطق الكلمات الإنجليزية الذي يتأثر بالنظام الصوتي للغة المحلية. وهناك أشكال من اللكنات الأجنبية التي تطغى على اللغة الإنجليزية في جميع أنحاء العالم وفي جميع المستويات. فعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي به عدد من اللغات الرسمية، إلا أن اللغة الإنجليزية تستخدم على نطاق واسع لأسباب نفعية. حيث يستخدم المتحدثون من الدول الأوروبية المختلفة لغة إنجليزية تختلف من دولة إلى أخرى بسبب اختلاف تأثيرات اللغات الأم عليها. حيث يتراوح النطق بين قربه من اللهجة الأمريكية أو البريطانية إلى لكنة بعيدة جدا عن اللهجة القياسية من حيث مخارج الأصوات والنغمة وطريقة تشديد المقاطع.

        وتتجلى معظم التغيرات التي طرأت وستطرأ على اللغات الإنجليزية الجديدة في استعارة المفردات الجديدة، وصك المفردات الجديدة word-formations ، وإضفاء معان جديدة على المفردات الإنجليزية، ونقل المتصاحبات اللغوية والمصطلحات idioms الجديدة من اللغات المحلية إلى اللغة الإنجليزية. حيث تستعير اللغات الإنجليزية من لغات السكان الأصليين كالهنود والماوري في نيوزيلندا.  فوجود مجالات ثقافية متعددة يستلزم استخدام المفردات الجديدة، ويجد الناس أنفسهم في مواقف تتطلب منهم تبني اللغة لتلبية الاحتياجات التواصلية المستجدة. وتعتمد عدد الكلمات المستعارة على عدد الثقافات المحلية المتواجدة معا، والمكانة التي وصلت إليها لغة كل منها. ففي الدول التي تعتز بهويتها القومية مثل جنوب إفريقيا وماليزيا ونيجيريا، سنجد في اللغة الإنجليزية عددا أكبر من الكلمات المستعارة من اللغات المحلية. ومن التغيرات قيام المتحدث بالخلط أي استخدام كلمات من اللغة المحلية أثناء التحدث باللغة الإنجليزية. ويتراوح ذلك بين إدخال كلمة واحدة وعدة كلمات في الجملة الواحدة.

        ولقد كان دافع الهوية مهيمنا - في النصف الثاني من القرن العشرين- عندما ازداد عدد الدول المستقلة. ففي نيجيريا مثلا نحو 500 لغة، لكل منها جذور عرقية قوية. والحل المناسب - في مثل هذه الحالة - هو الاستمرار في استخدام اللغة الاستعمارية القديمة، التي أصبحت - بعد عدة عقود- جزءا من نسيج المؤسسات المحلية. ومع المؤسسات الجديدة ظهرت طرق جديدة من التحدث والكتابة، ودخلت كلمات من اللغات المحلية إلى اللغة الإنجليزية المستخدمة في تلك الدول، وأصيح لكلمات اللغات المحلية مكانة مرموقة. وظهرت طريقة مميزة في التعبير، وبدأت تسجل - في بعض الحالات- على هيئة معجم إقليمي.

        إن تعلمك لغة ما، يعني انه أصبح لك حقوقا خاصة بها. إذ يمكنك أن تضيف إليها، وتعدل فيها، وتتلاعب بألفاظها، وتخترع فيها، وتتجاهل بعض أجزائها كما تشاء. وبهذا سيتأثر مسار اللغة الإنجليزية بالأشخاص الذين يتحدثون بها كلغة ثانية أو لغة أجنبية مثلهم مثل الناطقين بها كلغة أم. ويمكن أن يقوم متعلمو اللغة الإنجليزية كلغة ثانية أو أجنبية باستحداث ظاهرة لغوية يتبعها فيما بعد الناطقون باللغة الإنجليزية كلغة أم. وحيث إن عدد الناطقين باللغة الإنجليزية كلغة ثانية أو أجنبية يتزايد في المحافل الدولية واعتبار ذلك دليل على المكانة المرموقة، لم تعد الاستخدامات التي كانت موضع نقد في السابق كذلك، ويمكن أن تصبح جزءا من الطريقة التي يتحدث بها المتعلمون في البيئة المحلية، وقد ينتهي الأمر باستخدامها في الكتابة.        

(4) عائلة من اللهجات الإنجليزية:


        يسير مستقبل اللغة الإنجليزية نحو ازدياد عدد اللهجات الإنجليزية. ولكن هل من الممكن أن يتحول هذا إلى تعددية لغوية، أي إلى انقسام اللغة الإنجليزية إلى عدد من اللغات، كما حدث للغة اللاتينية منذ ألف عام؟ وهل يمكن أن تصبح الأنواع القائمة من اللغة الإنجليزية أكثر اختلافا في القرن القادم؟ لقد تنبأ ماك آرثر McArthur (1998) بظهور عائلة من اللغات الإنجليزية. وتنبأ Henry Sweet عام 1877م بأن يتحدث الإنجليز والأمريكيون والاستراليون بعد قرن لغات إنجليزية غير مفهومة بسبب التغيرات الكبيرة التي ستطرأ على نطق كل لهجة منها.  وإذا تطورت الأمور وأصبحت اللهجات الإنجليزية الحالية مختلفة جدا مع مرور الوقت، فإن هذا لن يؤدي إلى نهاية اللغة الإنجليزية. فالقدرة على استخدام أكثر من لهجة ستتسع لتلبي الحاجات المستجدة على الساحة الدولية. وقد تولد لغة إنجليزية عالمية قياسية جديدة. وقد يستخدم الناس داخل بلدانهم لهجتهم الإنجليزية المحلية للتفاهم مع أبناء وطنهم، واللهجة العالمية للتواصل مع متحدثين من دول أخرى.

جديد قسم : Power of English

إرسال تعليق