اللغة الإنجليزية في الحاضر
إن المكانة التي تتمتع بها اللغة الإنجليزية هذا اليوم ناجمة عن عاملين: الأول: التوسع في القوة الاستعمارية البريطانية التي بلغت أوجها مع نهاية القرن التاسع عشر وظهور الولايات المتحدة كقوة اقتصادية الأولى في القرن العشرين. والعامل الثاني هو الذي يفسر لنا سر بقاء اللغة الإنجليزية لغة عالمية في الوقت الحاضر. ففي الولايات المتحدة 70% من الناطقين باللغة الإنجليزية (كلغة أم). إضافة إلى الهيمنة الاقتصادية والسياسية التي تجعل الطريق الذي ستسير فيه اللغة الإنجليزية في المستقبل بيد الولايات المتحدة.
(1) الدائرة الداخلية تشير إلى الدول التي تستخدم فيها اللغة الإنجليزية كلغة أم مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا ونيوزيلاندا واستراليا.
(2) الدائرة الخارجية وتشير إلى الدول التي تستخدم فيها اللغة الإنجليزية كلغة ثانية في بيئات متعددة اللغات مثل سنغافورة والهند وملاوي إضافة إلى خمسين دولة أخرى. واللغة الإنجليزية هنا هي لغة مؤسسات الدولة الرئيسة
(3) الدائرة المتسعة وتشمل دولا تعترف بأهمية اللغة الإنجليزية كلغة عالمية، على الرغم من أنها لم تكن محتلة من قبل دولة ناطقة باللغة الإنجليزية مثل روسيا والصين واليابان واليونان وبولندا. وعدد الدول في هذه الدائرة في ازدياد. حيث تدرس اللغة الإنجليزية في هذه الدول كلغة أجنبية. وما يدعو للانبهار ليس عدد المستخدمين للغة الإنجليزية، بقدر ما هو سرعة انتشارها من الخمسينات والستينات من القرن العشرين.
الإرث الثقافي:
اتخذت الخطوات الأولى لترسيخ اللغة الإنجليزية سياسيا بعد الحرب العالمية الأولى عام 1919م. حيث وضع نظام الانتداب التابع لعصبة الأمم مستعمرات ألمانيا في إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا والمحيط الهادي تحت إشراف المنتصرين. وبهذا ازداد نفوذ اللغة الإنجليزية في هذه المناطق التي خضعت مباشرة لبريطانيا مثل فلسطين والكاميرون وتنجانيقا، أو دول أخرى ناطقة باللغة الإنجليزية مثل استراليا ونيوزيلاندا وجنوب إفريقيا. والاهم من ذلك هو الطريقة التي أدركت بها دول العالم الإرث الثقافي لفترة الاستعمار والثورة التكنولوجية. فقد برزت اللغة الإنجليزية كوسيلة للتواصل في المناطق النامية التي شكلت بالتدريج السمات المميزة للحياة الداخلية والمهنية في القرن العشرين. وفيما يلي شرح موجز لدور اللغة الإنجليزية في المجالات المختلفة:
1. العلاقات الدولية:
كانت عصبة الأمم من أولى المنظمات التي منحت اللغة الإنجليزية مكانة خاصة في سجلات وقائعها نظرا لأهمية استخدام لغة مشتركة بين الأعضاء. وفي الوقت الحاضر، تضم الأمم المتحدة أكثر من خمسين من البرامج والوكالات المتخصصة والهيئات الإقليمية والوظيفية واللجان وغيرها، واللغة الإنجليزية هي إحدى اللغات الرسمية في جميع هذه التنظيمات. واللغة الإنجليزية هي اللغة المشتركة في التجمعات السياسية الدولية الرئيسة مثل رابطة دول جنوب شرق آسيا والكومنويلث والمجلس الأوروبي والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، ومنظمة الدول المصدرة للنفط، والمنظمة الأوروبية للتجارة الحرة. وعلى الرغم من أن فعاليات المنظمات المتواجدة في الدول العربية أو الدول الناطقة باللغة الأسبانية تكون بالعربية أو الأسبانية، إلا أن التقارير التي تصدرها للجمهور العريض والتوصيات التي يتخذها الناطقون الرسميون تكون باللغة الإنجليزية. وفي عام 1995-1996م كان هناك نحو 12.500 منظمة دولية في العالم. ووجد أن 85% من أول 500 منظمة في هذه القائمة جعلت اللغة الإنجليزية لغة رسمية لها، واتخذ 49% منها اللغة الفرنسية لغة رسمية، واتخذ نحو 10% اللغة العربية والأسبانية والألمانية لغة رسمية. إضافة إلى المنظمات العلمية والمنظمات الرياضة الدولية مثل اتحاد إفريقيا للهوكي، الرابطة الآسيوية لهواة الرياضة. وعندما تؤسس منظمة في أي مكان في العالم، فان اللغة الإنجليزية هي اللغة الداعمة الرئيسة. فعلى سبيل المثال، تستخدم المنظمة العربية للطيران اللغتين العربية والإنجليزية.
2. وسائل الإعلام:
كانت اللغة الإنجليزية وسيطا هاما للإعلام على مدى 400 عام. فلقد شهد القرن التاسع عشر تقدما كبيرا في تكنولوجيا الطباعة الجديدة ووسائل الإنتاج والمواصلات واسعة النطاق. وفي عام 1850م، كان هناك نحو 400 صحيفة يومية في الولايات المتحدة. ومع نهاية القرن، ارتفع عددها إلى 2000 صحيفة. وعززت الأساليب الجديدة في جمع الأخبار دور اللغة الإنجليزية في الصحافة. وشهد منصف القرن التاسع عشر نموا أكبر في وكالات الأنباء، خاصة بعد اكتشاف التلغراف. وفي عام 1870م، كانت وكالة رويترز قد حققت أكبر احتكار في الرقعة التي تغطيها الأخبار من أي منافس آخر. ففي عام 2002م، ذكرت دائرة المعارف البريطانية أن 57% من صحف العالم تصدر في دول للغة الإنجليزية فيها مكانة خاصة. ولبعض الصحف العالمية الصادرة بالإنجليزية مثل New York Times, The Washington Post, The Wall Street Journal, The Times and The Sunday Times تأثير كبير. أضف إلى ذلك الدوريات والمجلات والمطويات وغيرها حيث ينشر نحو ربع دوريات العالم باللغة الإنجليزية. بالنسبة للدوريات العلمية التي ينتشر قراؤها في جميع أنحاء العالم فهي باللغة الإنجليزية. كما أن 70% من الدراسات اللغوية ونحو 80% من أبحاث العلوم الطبيعية تنشر باللغة الإنجليزية.
فإذا انتقلنا إلى السينما، لوجدنا أن الأفلام الناطقة باللغة الإنجليزية هي المهيمنة على صناعة السينما في العالم. اذ أن 80% من أفلام السهرة الطويلة باللغة الإنجليزية. وتحصد الأفلام الناطقة باللغة الإنجليزية نصف الجوائز الممنوحة لأفضل الأفلام في مهرجان كان السينمائي. وتسيطر أفلام هوليوود على 85% من سوق الأفلام في العالم، في حين تحقق الأفلام الفرنسية 30% من المبيعات فقط. ومن الممكن أن تعرض دور السينما في الدانمارك نفس التشكيلة من الأفلام التي تعرضها دور السينما في أسبانيا وتكون أغلبيتها باللغة الإنجليزية.
3. السياحة الدولية:
تعتبر اللغة الإنجليزية لغة مساندة لمن يسافرون حول العالم، حيث الحملات السياحية، واجتماعات العمل، والمؤتمرات الأكاديمية، والمؤتمرات الدولية، والمناسبات الرياضية، والمهن العسكرية وغيرها. حيث نجد أن اللغة الإنجليزية تتخلل قطاعي الإقامة والمواصلات كلغة مساندة. ونجد تعليمات السلامة على الرحلات الدولية والبحرية، وتعليمات الطوارىء في الفنادق باللغة الإنجليزية إلى جانب اللغة المحلية. وكثيرا ما نجد الخرائط ولوحات الشوارع باللغة الإنجليزية.
أضف إلى ذلك وجود أعداد كبيرة من الجنود الأمريكان والإنجليز في أماكن كثيرة من العالم مما يعطي السكان المحليين فرصة للاحتكاك بثقافة الناطقين باللغة الإنجليزية عن قرب. ولقد ساهمت الحروب - مثل حر بور Boer War والحرب العالمية الأولى- على تصدير الأغاني الأمريكية. ومكنت إذاعة القوات الأمريكية الناس في أوروبا من سماع اللغة الإنجليزية أثناء الحرب العالمية الثانية.
4. الأمن الدولي:
كانت اللغة الإنجليزية لأمد طويل هي لغة البحار، وهي اللغة الرسمية المراقبين الجويين. وبرزت ضرورة استخدام لغة واحدة في أبراج المراقبة في المطارات من حقيقة أن فهم الطيارين لجميع المحادثات بلغة واحدة أكثر أمنا وسلامة. ويحتاج الطيارون الذين يستخدمون جهاز لاسلكي ذا اتجاهين إلى سماع لغة واحدة، لأنهم لا يستمعون إلى الرسائل الموجهة إليهم فحسب، بل يسمعون الرسائل التي يرسلها ويستقبلها غيرهم من الطيارين. واستخدام أكثر من لغة في هذه الحالة سيخلق حالة من انعدام التواصل. ولقد بذلت جهود كبيرة لتوحيد المصطلحات والعبارات المستخدمة في أبراج المراقبة وبين الطيارين، لتجنب الإبهام والازدواجية في المعنى. وتستخدم أكثر من 180 دولة مصطلحات اللغة الإنجليزية التي أوصت بها المنظمة الدولية للطيران المدني (ICAO).
5. التعليم:
اللغة الإنجليزية هي لغة جزء كبير من المعرفة في العالم. ففي عام 1980م، وجد أن 85% من أبحاث علم الأحياء والفيزياء، و73% من الأبحاث الطبية، و69% من أبحاث الرياضيات، و67% من أبحاث الكيمياء مكتوبة باللغة الإنجليزية. ومنذ ستينات القرن العشرين واللغة الإنجليزية هي لغة التعليم العالي في كثير من دول العالم. وكثير من المقررات المتقدمة في هولندا مثلا تدرس باللغة الإنجليزية. وازدادت الحاجة إلى استخدام اللغة الإنجليزية في الجامعات والكليات التي يدرس بها طلاب أجانب حيث يجد المحاضرون أنفسهم مضطرين لاستخدام اللغة الإنجليزية.
6. الاتصالات:
تشكل نسبة الرسائل البريدية المكتوبة باللغة الإنجليزية 75% من بريد العالم. وتوزع الدول الناطقة باللغة الإنجليزية نحو 63% منها. كما أن 80% من المعلومات المخزنة الكترونيا هي باللغة الإنجليزية، وتشمل معلومات خاصة بالشركات والمنظمات (التجارة والأعمال)، والمكتبات، وقوات الأمن، والمعلومات الموجودة على الانترنت سواء في إرسال واستقبال البريد الالكتروني، والمشاركة في مجموعات النقاش، أو الاتصال بقواعد المعلومات. وتتميز اللغة الإنجليزية بأنها تستخدم مجموع من الرموز يطلق عليها Latin I ليس بها حركات وعلامات تم تحويلها إلى رموز ASCII ذات 7 نقط. أما اللغات التي تعتمد على الحركات مثل اللغة العربية والصينية والكورية والتايلاندية والهندية فتتطلب مجموعات كبيرة جدا من الرموز. ولديها صعوبة في استخدام الرموز الخاصة بالعملات والتواريخ والمقاييس وغيرها من الأمور التي تتطلب إعدادات خاصة. واللغة الإنجليزية هي اللغة المشتركة على الانترنت. فإذا كنت غير متمكن من اللغة الإنجليزية فانك لن تستطيع أن تستغل القوى الفكرية التي تقدمها الانترنت. وعلى الانترنت مادة باللغة الإنجليزية على درجة عالية من الجودة تفوق نظيرتها باللغات الأخرى. وتبلغ نسبة مستخدمي الانترنت من الناطقين باللغة الإنجليزية نحو 30%.
مساعي الولايات المتحدة وبريطانيا في نشر اللغة الإنجليزية:
تقوم كل من الولايات المتحدة وبريطانيا بدعم تعليم وتعلم اللغة الإنجليزية في جميع دول العالم عن طريق سفاراتها والمجلس الثقافي البريطاني ومنح فولبرايت. حيث تقوم بتوزيع المجلات وإهداء الكتب، والدعوة إلى الندوات والمؤتمرات، وإقامة فروع لجمعيات تعليم اللغة الإنجليزية لغير الناطقين بها مثل TESO في جميع حول العالم. ويقوم المسئولون في السفارات الأمريكية بزيارة لوزارات التربية والتعليم لتشجيع ودعم تعليم اللغة الإنجليزية للطلاب في المدارس، وإنشاء فروع لمنظمات تعليم اللغة الإنجليزية لغير الناطقين بها مثلTESOL Korea, TESOL Ukraine, Tai TESOL, TESOL Arabia, TESOL Egypt,. ويعقدون مؤتمرات سنوية يحضرها ويشارك فيها المتخصصون ومعلمو اللغة الإنجليزية في المجتمعات المحلية. أي أن أمريكا وبريطانيا تدعمان تعليم اللغة الإنجليزية واستخدامها في جميع دول العالم. ولدى الولايات المتحدة وبريطانيا سياسات خفية من خلال منظماتها تسعى إلى جعل اللغة الإنجليزية لغة للتعليم medium of instruction في المدارس والجامعات. وإذا أرادت دولة إنشاء منظمة جديدة، عينت في اللجان التنظيمية أعضاء ناطقين باللغة الإنجليزية كخبراء، كما في منظمة AHWA، ووجود أجانب في هذه المنظمات يدعوها إلى استخدام اللغة الإنجليزية ف المراسلات والمنشورات والاجتماعات وجلسات المؤتمرات بدلا من اللغة القومية. إضافة إلى ما تقدم، فرض على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي كتابة أسماء الشوارع واللوحات الإرشادية في الدول غير الناطقة باللغة الإنجليزية مثل اليونان باللغة الإنجليزية إلى جانب اللغة المحلية مثل اللغة اليونانية.
تعليقات: 0
إرسال تعليق