-->

الوطنية الأردنية المساء فهمها عربيا ، علاء الفزاع .

نشرت في القدس العربي ، و هي اول مقال ينشــر للكاتب في تلك الصحيفـة و قـد يتبعها العديـد .. 
الوطنية الأردنية المساء فهمها عربيا

علاء الفزاع
الكثيرون لا يعرفون تفاصيل الأردن، ولا حتى عناوينه العريضة. طالما قيل انه على وشك الانهيار. ولكن الدولة الوحيدة في الهلال الخصيب التي نجت من ويلات التشظي هي الأردن، رغم جدل الهوية الذي يرافقها منذ عقود، وهو ذات الجدل الذي طالما استخدم خارجياً ضد الأردن وضد الحركة الوطنية الأردنية، وساهم في تشويه صورتها لسنوات طويلة.
المشكلة هنا أن كثيرين يتبنون رواية مفادها أن الأردن يتآمر على الفلسطينيين ويعاديهم ويضطــــهدهم ويميز ضدهم. والمشكلة المرافقة لها هي أن قلة من المراقبين تفـــــرّق بين الشعب والنظام في الأردن. الحركة الوطنية الاردنية المعارضة تختلف مع النظام وتلتقي معه، وطالما دخلت في صراعات حادة معـــه، وقضى أفرادها في السجون أعواماً وأعواماً، ولجأ كثير منهــــم إلى عواصم الأرض هرباً من الاضطهاد، ثمناً لمواقف معارضة لتصرفات الحكم.
يقولون ان الأردن يسيء معاملة الفلسطينيين. تشير الأرقام الرسمية لوكالة الغوث الدولية إلى أن حوالي 40′ من اللاجئين الفلسطينيين في العالم كله موجودون في الأردن، معظمهم يحمل الجنسية الأردنية، وهو ما يسهل معيشتهم وعملهم في الأردن وفي دول الخليج وغيرها. يحظى المواطنون الأردنيون من أصل فلسطيني بكل الحقوق التي يتمتع بها الأردني الأصل (أو شرق الأردني كما يتعارف عليه صحافياً)، مع استثناءات في أجهزة الأمن الحساسة، وهي استثناءات ناتجة عن تجربة الصدام المسلح في عام 1970.
في الأردن تولى رئاسة الحكومة عدة رؤساء من أصل فلسطيني، حتى بعد أن تم إنهاء الوحدة مع الضفة الغربية. وتولى رئاسة المخابرات العامة ذات مرة ضابط فلسطيني الأصل، وتولى ذوو أصول فلسطينية عبر السنوات مناصب عليا في إدارة القصر الملكي، ومجلس الأعيان، وفي السلطة القضائية، وفي كل فروع أجهزة الدولة تقريباً.
لم يحصل هذا في أي بلد عربي آخر. يقولون ان هذا نتيجة الوحدة بين الأردن والضفة، ولكن المفارقة أن أية دولة عربية لم تعترف بتلك الوحدة، في الوقت الذي تطالب فيه الأردن بتحمل تبعاتها! بالتأكيد هناك ملاحظات جادة على تعامل الدولة مع مواطنيها، سواء كانوا أردنيي الأصل أم من أصل فلسطيني، ويعود ذلك بشكل أساسي إلى عدم سيادة دولة القانون والمؤسسية، إضافة إلى الحساسيات الطبيعية التي تأتي من وجود أعداد كبيرة من أبناء شعب عربي على أرض شعب آخر، وتداخل الجنسيات، والخوف الطبيعي والمبرر للأردنيين على هوية دولتهم. هي مشكلة تاريخية لا يمكن حلها اليوم، وترتبط بشكل واضح بالزمن، وبحل مسألة اللجوء والعودة، وحسم خيار من سيبقى في الأردن ومن سيعود.
يقولون ان الجيش الأردني ارتكب مذابح عام 1970 ضد الفلسطينيين. وهذا هو السبب في التشويه الكبير في صورة الزعيم الأردني الاستثنائي وصفي التل، الذي يراه الأردنيون العاديون رمزاً وأيقونة، ليس تحديداً لدوره في الوقوف في وجه المنظمات الفلسطينية، ولكن أساساً لجهده في بناء القطاع العام الأردني. الحقيقة أن ما جرى في عام 1970 كان صراعاً بين الدولة الأردنية وجيشها من ناحية، وفصائل فلسطينية مسلحة كانت تسيطر على أجزاء كبيرة من العاصمة الأردنية عمان من ناحية أخرى، عدا عن وجودها في عدة مناطق أردنية. المفارقة أن الدول التي انتقدت الأردن على ذلك كانت هي نفسها لا تسمح للفصائل الفلسطينية بالعمل على أراضيها. نعم، كان الأردن هو الدولة الوحيدة التي احتضنت المقاومة الفلسطينية وشرعنت الكفاح المسلح ضد الاحتلال الصهيوني، وانخرط في ذلك الكفاح فلسطينيون وأردنيون وسوريون ولبنانيون، جاؤوا جميعاً إلى الجبهة الوحيدة التي سمحت للمقاومة الفلسطينية بالعمل على الأرض. قريتي في الأغوار كانت قاعدة للفدائيين كما كان اسمهم وقتها. ولكن عندما انتقلت المنظمات الفلسطينية من المناطق الحدودية واستقرت شيئاً فشيئاً في المدن، وبدأت بتحدي سلطة الدولة، لم يكن من الممكن ترك ذلك يستمر.
اليوم تركز الحركة الوطنية الأردنية، في وصف فضفاض يشمل معظم تياراتها، على التأكيد على حق العودة للاجئين في الأردن، وعلى رفض خطة كيري، وعلى رفض التهجير الناعم أو الواسع للفلسطينيين إلى الأردن، وعلى حق الفلسطينيين في دولة حقيقية وفي ممارسة حق العودة. ولهذا تطالب تيارات وطنية أساسية بمطلب يتعارف عليه باسم ‘قوننة ودسترة فك الارتباط’، أي وضع تشريع مناسب للتعامل مع تبعات انفصال الضفة الغربية عن الأردن في عام 1988، وهي تبعات ما تزال معلقة حتى اليوم، ويمكن أن يتم استغلالها في منح الجنسية الأردنية لعدد كبير من فلسطينيي الضفة الغربية.
هناك كذبة كبيرة سوقها تيار معاد للوطنية الأردنية مفادها أنها تطالب بسحب الجنسية من ذوي الأصول الفلسطينية، فيما المطلب هو عدم منح الجنسية الأردنية للمزيد من الفلسطينيين، لأنه وببساطة لا يوجد بلد في العالم يقبل أن يكون ما يقرب من نصفه (43′ من المواطنين) من أصول من كيان سياسي مجاور، عدا عن أن ذلك سيكون هدية كبرى للمشروع الصهيوني الذي يسعى إلى طرد ما يمكن طرده من الفلسطينيين خارج التراب الفلسطيني، تحت أية ذريعة. هذا الشهر بالذات صوت السويسريون على حزمة تشريعات تحد بشكل كبير جداً من الهجرة إليها، حتى من الدول الأوروبية المجاورة كفرنسا وألمانيا، حيث استشعر السويسريون الخطر لأن نسبة المهاجرين المقيمين (وليس حاملي الجنسية السويسرية) وصلت إلى 23′.
التيارات الأساسية في الوطنية الأردنية تريد وطناً أردنياً متسامحاً يضم الأردنيين من أصل فلسطيني كما ضم من قبلهم ذوي الأصول الشيشانية والشركسية والمصرية والسورية واللبنانية والأرمنية والتركية والشنقيطية، وغيرها، في سياق عربي طبيعي غير مفتعل، مثل كل الشعوب العربية التي تمتلك شخصيتها. هي تريد وطناً ذا هوية أردنية نضالية معادية للمشروع الصهيوني، وطناً يأتي ذات يوم ‘جمال حمدان’ أردني فيقرأ هويته الواضحة، ويصوغ منها ‘شخصية الأردن’ المميزة.

‘ كاتب أردني مقيم في السويد

جديد قسم : Opinions

إرسال تعليق